1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة مريم
  4. القول في تأويل قوله تعالى "ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ( 35 ) وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ( 36 ) )

يقول تعالى ذكره : لقد كفرت الذين قالوا : إن عيسى ابن الله ، وأعظموا الفرية عليه ، فما ينبغي لله أن يتخذ ولدا ، ولا يصلح ذلك له ولا يكون ، بل [ ص: 196 ] كل شيء دونه فخلقه ، وذلك نظير قول عمرو بن أحمر :


في رأس خلقاء من عنقاء مشرفة لا يبتغى دونها سهل ولا جبل



وأن من قوله ( أن يتخذ ) في موضع رفع بكان . وقوله : ( سبحانه ) يقول : تنزيها لله وتبرئة له أن يكون له ما أضاف إليه الكافرون القائلون : عيسى ابن الله . وقوله ( إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) يقول جل ثناؤه : إنما ابتدأ الله خلق عيسى ابتداء ، وأنشأه إنشاء من غير فحل افتحل أمه ، ولكنه قال له ( كن فيكون ) لأنه كذلك يبتدع الأشياء ويخترعها ، إنما يقول ، إذا قضى خلق شيء أو إنشاءه : كن فيكون موجودا حادثا ، لا يعظم عليه خلقه ، لأنه لا يخلقه بمعاناة وكلفة ، ولا ينشئه بمعالجة وشدة .

وقوله ( وإن الله ربي وربكم فاعبدوه ) اختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة " وأن الله ربي وربكم " واختلف أهل العربية في وجه فتح "أن" إذا فتحت ، فقال بعض نحويي الكوفة : فتحت ردا على عيسى وعطفا عليه ، بمعنى : ذلك عيسى ابن مريم ، وذلك أن الله ربي وربكم . وإذا كان ذلك كذلك كانت أن رفعا ، وتكون بتأويل خفض ، كما قال ( ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم ) قال : ولو فتحت على قوله ( وأوصاني ) بأن الله ، كان وجها . وكان بعض البصريين يقول : وذكر ذلك أيضا عن أبي عمرو بن العلاء ، وكان ممن يقرؤه بالفتح إنما فتحت أن بتأويل ( وقضى ) أن الله ربي وربكم . وكانت عامة قراء الكوفيين يقرءونه ( وإن الله ) بكسر إن بمعنى النسق على قوله ( فإنما يقول له ) . وذكر عن أبي بن كعب أنه كان يقرؤه " فإنما يقول له كن فيكون إن الله ربي وربكم" بغير واو . [ ص: 197 ]

قال أبو جعفر : والقراءة التي نختار في ذلك : الكسر على الابتداء . وإذا قرئ كذلك لم يكن لها موضع ، وقد يجوز أن يكون عطفا على "إن" التي مع قوله ( قال إني عبد الله آتاني الكتاب ) ( وإن الله ربي وربكم ) ولو قال قائل ، ممن قرأ ذلك نصبا : نصب على العطف على الكتاب ، بمعنى : آتاني الكتاب ، وأتاني أن الله ربي وربكم ، كان وجها حسنا . ومعنى الكلام : وإني وأنتم أيها القوم جميعا لله عبيد ، فإياه فاعبدوا دون غيره .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عمن لا يتهم ، عن وهب بن منبه ، قال : عهد إليهم حين أخبرهم عن نفسه ومولده وموته وبعثه ( إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ) أي إني وإياكم عبيد الله ، فاعبدوه ولا تعبدوا غيره .

وقوله ( هذا صراط مستقيم ) يقول : هذا الذي أوصيتكم به ، وأخبرتكم أن الله أمرني به هو الطريق المستقيم ، الذي من سلكه نجا ، ومن ركبه اهتدى ، لأنه دين الله الذي أمر به أنبياءه .

التالي السابق


الخدمات العلمية