صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا ( 46 ) )

يقول تعالى ذكره : قال أبو إبراهيم لإبراهيم ، حين دعاه إبراهيم إلى [ ص: 205 ] عبادة الله وترك عبادة الشيطان ، والبراءة من الأوثان والأصنام ( أراغب أنت ) يا إبراهيم عن عبادة آلهتي؟ ( لئن ) أنت ( لم تنته ) عن ذكرها بسوء ( لأرجمنك ) يقول : لأرجمنك بالكلام ، وذلك السب ، والقول القبيح .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ( قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك ) بالشتيمة والقول .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، في قوله ( لئن لم تنته لأرجمنك ) قال : بالقول; لأشتمنك .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( لأرجمنك ) يعني : رجم القول .

وأما قوله ( واهجرني مليا ) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : معنى ذلك : واهجرني حينا طويلا ودهرا . ووجهوا معنى الملي إلى الملاوة من الزمان ، وهو الطويل منه .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا أبو داود ، قال : ثنا محمد بن أبي الوضاح ، عن عبد الكريم ، عن مجاهد ، في قوله ( واهجرني مليا ) قال : دهرا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله ( مليا ) قال حينا .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ( واهجرني مليا ) قال : طويلا . [ ص: 206 ]

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن ، في قوله ( واهجرني مليا ) قال : زمانا طويلا .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ( واهجرني مليا ) يقول : دهرا ، والدهر الملي .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ( واهجرني مليا ) قال : دهرا .

حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، ثنا أسباط ، عن السدي ( واهجرني مليا ) قال : أبدا .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : واهجرني سويا سليما من عقوبتي إياك ، ووجهوا معنى الملي إلى قول الناس : فلان ملي بهذا الأمر : إذا كان مضطلعا به غنيا فيه . وكأن معنى الكلام كان عندهم : واهجرني وعرضك وافر من عقوبتي ، وجسمك معافى من أذاي .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي بن داود ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ( واهجرني مليا ) يقول : اجتنبني سويا .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( واهجرني مليا ) قال : اجتنبني سالما قبل أن يصيبك مني عقوبة .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( واهجرني مليا ) قال : سالما .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى بن كثير بن درهم أبو غسان ، قال : ثنا قرة بن خالد ، عن عطية الجدلي ( واهجرني مليا ) قال : سالما . [ ص: 207 ]

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( واهجرني مليا ) اجتنبني سالما لا يصيبك مني معرة .

قال أبو جعفر : وأولى القولين بتأويل الآية عندي قول من قال : معنى ذلك : واهجرني سويا ، سلما من عقوبتي ، لأنه عقيب قوله ( لئن لم تنته لأرجمنك ) وذلك وعيد منه له إن لم ينته عن ذكر آلهته بالسوء أن يرجمه بالقول السيئ ، والذي هو أولى بأن يتبع ذلك التقدم إليه بالانتهاء عنه قبل أن تناله العقوبة ، فأما الأمر بطول هجره فلا وجه له .

التالي السابق


الخدمات العلمية