[ ص: 214 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( 
أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا  ( 58 ) ) 
يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : هؤلاء الذين اقتصصت عليك أنباءهم في هذه السورة يا 
محمد ،  الذين أنعم الله عليهم بتوفيقه ، فهداهم لطريق الرشد من الأنبياء من ذرية 
آدم ،  ومن ذرية من حملنا مع 
نوح  في الفلك ، ومن ذرية 
إبراهيم  خليل الرحمن ، ومن ذرية 
إسرائيل ،  وممن هدينا للإيمان بالله والعمل بطاعته واجتبينا : يقول : وممن اصطفينا واخترنا لرسالتنا ووحينا ، فالذي عنى به من ذرية 
آدم  إدريس ،  والذي عنى به من ذرية من حملنا مع 
نوح  إبراهيم ،  والذي عنى به من ذرية 
إبراهيم  إسحاق  ويعقوب  وإسماعيل ،  والذي عنى به من ذرية 
إسرائيل   : 
موسى  وهارون  وزكريا  وعيسى  وأمه 
مريم ،  ولذلك فرق تعالى ذكره أنسابهم وإن كان يجمع جميعهم 
آدم  لأن فيهم من ليس من ولد من كان مع 
نوح  في السفينة ، وهو 
إدريس ،  وإدريس  جد 
نوح   . 
وقوله تعالى ذكره : ( 
إذا تتلى عليهم آيات الرحمن  ) يقول إذا تتلى على هؤلاء الذين أنعم الله عليهم من النبيين أدلة الله وحججه التي أنزلها عليهم في كتبه ، خروا لله سجدا ، استكانة له وتذللا وخضوعا لأمره وانقيادا ، ( وبكيا ) يقول : خروا سجدا وهم باكون ، والبكي : جمع باك ، كما العتي جمع عات والجثي : جمع جاث ، فجمع وهو فاعل على فعول ، كما يجمع القاعد قعودا ، والجالس جلوسا ، وكان القياس أن يكون : وبكوا وعتوا ، ولكن كرهت الواو بعد الضمة فقلبت ياء ، كما قيل في جمع دلو أدل . وفي جمع البهو أبه ، وأصل ذلك أفعل أدلو وأبهو ، فقلبت الواو ياء لمجيئها بعد الضمة استثقالا وفي ذلك لغتان  
[ ص: 215 ] مستفيضتان ، قد قرأ بكل واحدة علماء من القراء بالقرآن بكوا وعتوا بالضم ، وبكيا وعتيا بالكسر . وقد يجوز أن يكون البكي هو البكاء بعينه . 
وقد حدثنا 
ابن بشار ،  قال : ثنا 
عبد الرحمن ،  قال : ثنا 
سفيان ،  عن 
الأعمش ،  عن 
إبراهيم ،  قال : قرأ 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب  سورة مريم فسجد وقال : هذا السجود ، فأين البكي؟ يريد : فأين البكاء  .