صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( أن دعوا للرحمن ولدا ( 91 ) وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ( 92 ) إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا ( 93 ) ) [ ص: 260 ]

يقول تعالى ذكره : وتكاد الجبال أن تخر انقضاضا ، لأن دعوا للرحمن ولدا . ف "أن" في موضع نصب في قول بعض أهل العربية ، لاتصالها بالفعل ، وفي قول غيره في موضع خفض بضمير الخافض ، وقد بينا الصواب من القول في ذلك في غير موضع من كتابنا هذا بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وقال ( أن دعوا للرحمن ولدا ) يعني بقوله : ( أن دعوا ) : أن جعلوا له ولدا ، كما قال الشاعر :


ألا رب من تدعو نصيحا وإن تغب تجده بغيب غير منتصح الصدر



وقال ابن أحمر :


أهوى لها مشقصا حشرا فشبرقها     وكنت أدعو قذاها الإثمد القردا



وقوله ( وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ) يقول : وما يصلح لله أن يتخذ ولدا ، لأنه ليس كالخلق الذين تغلبهم الشهوات ، وتضطرهم اللذات إلى جماع الإناث ، ولا ولد يحدث إلا من أنثى ، والله يتعالى عن أن يكون كخلقه ، وذلك كقول ابن أحمر :


في رأس خلقاء من هنقاء مشرفة     ما ينبغي دونها سهل ولا جبل



يعني : لا يصلح ولا يكون .

( إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا ) يقول : ما جميع من في السماوات من الملائكة ، وفي الأرض من البشر والإنس والجن [ ص: 261 ] ( إلا آتي الرحمن عبدا ) يقول : إلا يأتي ربه يوم القيامة عبدا له ، ذليلا خاضعا ، مقرا له بالعبودية ، لا نسب بينه وبينه .

وقوله ( آتي الرحمن ) إنما هو فاعل من أتيته ، فأنا آتيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية