القول في 
تأويل قوله تعالى : ( فلما أتاها نودي يا موسى  ( 11 ) 
إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى  ( 12 ) ) 
يقول تعالى ذكره : فلما أتى النار موسى ، ناداه ربه ( 
يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك  ) .  
[ ص: 278 ] 
كما حدثنا 
ابن حميد ،  قال : ثنا 
سلمة ،  عن 
ابن إسحاق ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه ،  قال : خرج موسى نحوها ، يعني نحو النار ، فإذا هي في شجر من العليق ، وبعض أهل الكتاب يقول في عوسجة ، فلما دنا استأخرت عنه ، فلما رأى استئخارها رجع عنها ، وأوجس في نفسه منها خيفة; فلما أراد الرجعة ، دنت منه ثم كلم من الشجرة ، فلما سمع الصوت استأنس ، وقال الله تبارك وتعالى ( 
يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى  ) فخلعها فألفاها  . 
واختلف أهل العلم في السبب الذي من أجله أمر الله موسى بخلع نعليه ، فقال بعضهم : أمره بذلك ، لأنهما كانتا من جلد حمار ميت ، فكره أن يطأ بهما الوادي المقدس ، وأراد أن يمسه من بركة الوادي . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ،  قال : ثنا 
عبد الرحمن ،  قال : ثنا 
سفيان ،  عن 
عاصم ،  عن 
أبي قلابة ،  عن 
كعب ،  أنه رآهم يخلعون نعالهم ( 
فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى  ) فقال : كانت من جلد حمار ميت ، فأراد الله أن يمسه القدس  . 
حدثنا 
ابن حميد ،  قال : ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح ،  قال : ثنا 
الحسين ،  عن 
يزيد ،  عن 
عكرمة ،  في قوله ( 
فاخلع نعليك  ) قال : كانتا من جلد حمار ميت  . 
حدثنا 
بشر ،  قال : ثنا 
يزيد ،  قال : ثنا 
سعد ،  عن 
قتادة ،  قال : حدثنا ، أن نعليه كانتا من جلد حمار ، فخلعهما ثم أتاه . 
حدثنا 
الحسن ،  قال : أخبرنا 
عبد الرزاق ،  قال : أخبرنا 
معمر ،  عن 
قتادة ،  في قوله ( 
فاخلع نعليك  ) قال : كانتا من جلد حمار ، فقيل له اخلعهما  . 
حدثنا 
القاسم ،  قال : ثنا 
الحسين ،  قال : ثني 
حجاج ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج   . قال : وأخبرني 
عمر بن عطاء  عن 
عكرمة  وأبو سفيان ،  عن 
معمر ،  عن 
جابر الجعفي ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب   ( 
فاخلع نعليك  ) قال : كانتا من جلد حمار ، فقيل له اخلعهما . قال : وقال 
قتادة  مثل ذلك  . 
وقال آخرون : كانتا من جلد بقر ، ولكن الله أراد أن يطأ 
موسى  الأرض بقدميه ، ليصل إليه بركتها . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
القاسم ،  قال : ثنا 
الحسين ،  قال : ثني  
[ ص: 279 ] حجاج ،  قال : قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  قال 
الحسن   : كانتا ، يعني نعلي موسى من بقر ، ولكن إنما أراد الله أن يباشر بقدميه بركة الأرض ، وكان قد قدس مرتين  . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج   : وقيل 
لمجاهد   : زعموا أن نعليه كانتا من جلد حمار أو ميتة ، قال : لا ولكنه أمر أن يباشر بقدميه بركة الأرض . 
حدثني 
يعقوب ،  قال : قال 
أبو بشر ،  يعني 
 nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ،  سمعت 
ابن أبي نجيح ،  يقول في قوله : ( 
فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى  ) قال : يقول : أفض بقدميك إلى بركة الوادي  . 
قال 
أبو جعفر   : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : أمره الله تعالى ذكره بخلع نعليه ليباشر بقدميه بركة الوادي ، إذ كان واديا مقدسا . 
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالصواب ، لأنه لا دلالة في ظاهر التنزيل على أنه أمر بخلعهما من أجل أنهما من جلد حمار ولا لنجاستهما ، ولا خبر بذلك عمن يلزم بقوله الحجة ، وإن في قوله ( 
إنك بالوادي المقدس طوى  ) بعقبه دليلا واضحا ، على أنه إنما أمره بخلعهما لما ذكرنا . 
ولو كان الخبر الذي حدثنا به 
بشر  قال : ثنا 
خلف بن خليفة  عن 
حميد بن عبد الله بن الحارث ،  عن 
ابن مسعود ،  عن نبي الله صلى الله عليه وسلم ، قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=3502047 "يوم كلم الله موسى ، كانت عليه جبة صوف وكساء صوف ، و سراويل صوف ، ونعلان من جلد حمار غير مذكى  " صحيحا لم نعده إلى غيره ، ولكن في إسناده نظر يجب التثبت فيه . 
واختلفت القراء في قراءة قوله ( 
إني أنا ربك  ) فقرأ ذلك بعض قراء 
المدينة  والبصرة   " نودي يا موسى أني " بفتح الألف من "أني" ، فأن على قراءتهم في موضع رفع بقوله : نودي ، فإن معناه : كان عندهم نودي هذا القول ، وقرأه بعض عامة قراء 
المدينة  والكوفة  بالكسر : نودي يا 
موسى  إني ، على الابتداء ، وأن معنى ذلك قيل : يا 
موسى  إني . 
قال 
أبو جعفر   : والكسر أولى القراءتين عندنا بالصواب ، وذلك أن النداء قد حال بينه وبين العمل في أن قوله " يا موسى " ، وحظ قوله "نودي" أن يعمل في أن لو كانت قبل قوله " يا موسى " ، وذلك أن يقال : نودي أن يا 
موسى  إني أنا ربك ،  
[ ص: 280 ] ولا حظ لها في "إن" التي بعد 
موسى   . 
وأما قوله ( 
إنك بالوادي المقدس طوى  ) فإنه يقول : إنك بالوادي المطهر المبارك . 
كما حدثني 
علي ،  قال : ثنا 
عبد الله ،  قال : ثني 
معاوية ،  عن 
علي ،  عن 
ابن عباس ،  قوله ( 
إنك بالوادي المقدس طوى  ) يقول : المبارك  . 
حدثنا 
القاسم ،  قال : ثنا 
الحسين ،  قال : ثني 
حجاج ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  قال : قال 
مجاهد ،  قوله ( 
إنك بالوادي المقدس طوى  ) قال : قدس بورك مرتين  . 
حدثني 
يونس ،  قال : أخبرنا 
ابن وهب ،  قال : قال 
ابن زيد ،  قوله ( 
إنك بالوادي المقدس طوى  ) قال : بالوادي المبارك  . 
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( طوى ) فقال بعضهم : معناه : إنك بالوادي المقدس طويته ، فعلى هذا القول من قولهم طوى مصدر خرج من غير لفظه ، كأنه قال : طويت الوادي المقدس طوى . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس   : قوله ( 
إنك بالوادي المقدس طوى  ) يعني الأرض المقدسة ، وذلك أنه مر بواديها ليلا فطواه ، يقال : طويت وادي كذا وكذا طوى من الليل ، وارتفع إلى أعلى الوادي ، وذلك نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم  . 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : مرتين ، وقال : ناداه ربه مرتين; فعلى قول هؤلاء طوى مصدر أيضا من غير لفظه ، وذلك أن معناه عندهم : نودي يا 
موسى  مرتين نداءين ، وكان بعضهم ينشد شاهدا لقوله طوى ، أنه بمعنى مرتين ، قول 
 nindex.php?page=showalam&ids=16559عدي بن زيد العبادي   : 
أعاذل إن اللوم في غير كنهه علي طوى من غيك المتردد 
 [ ص: 281 ] 
وروى ذلك آخرون : "علي ثنى" : أي مرة بعد أخرى ، وقالوا : طوى وثنى بمعنى واحد . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
بشر ،  قال : ثنا 
يزيد ،  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة ،   ( 
فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى  ) كنا نحدث أنه واد قدس مرتين ، وأن اسمه طوى  . 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنه قدس طوى : مرتين . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
القاسم ،  قال : ثنا 
الحسين ،  قال : ثني 
حجاج ،  قال : قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  قال 
الحسن   : كان قد قدس مرتين . 
وقال آخرون : بل طوى : اسم الوادي . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
علي بن داود ،  قال : ثنا 
عبد الله ،  قال : ثني 
معاوية ،  عن 
علي ،  عن 
ابن عباس ،  قوله ( طوى ) : اسم للوادي  . 
حدثني 
محمد بن عمرو ،  قال : ثنا 
أبو عاصم ،  قال : ثنا 
عيسى ،  وحدثني 
الحارث ،  قال : ثنا 
الحسن ،  قال : ثنا 
ورقاء ،  جميعا عن 
ابن أبي نجيح ،  عن 
مجاهد   : طوى : قال : اسم الوادي  . 
حدثني 
يونس ،  قال : أخبرنا 
ابن وهب ،  قال : قال 
ابن زيد ،  في قوله ( 
بالوادي المقدس طوى  ) قال : ذاك الوادي هو طوى ، حيث كان موسى ، وحيث كان إليه من الله ما كان ، قال : وهو نحو الطور  . 
وقال آخرون : بل هو أمر من الله 
لموسى  أن يطأ الوادي بقدميه . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=17029محمد بن منصور الطوسي ،  قال : ثنا 
صالح بن إسحاق ،  عن 
جعفر بن برقان ،  عن 
عكرمة ،  عن 
ابن عباس ،  في قول الله تبارك وتعالى ( 
فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى  ) قال : طأ الوادي  . 
حدثنا 
ابن حميد ،  قال : ثنا 
يحيى ،  قال : ثنا 
الحسن ،  عن 
يزيد ،  عن 
عكرمة ،  في قوله ( طوى ) قال : طأ الوادي  . 
حدثنا 
محمد بن عمرو ،  قال : ثنا 
أبو عاصم ،  قال : ثنا 
عيسى ،  وحدثني 
الحارث ،  قال : ثنا 
الحسن ،  قال : ثنا 
ورقاء ،  جميعا عن 
ابن أبي نجيح ،  عن  
[ ص: 282 ] سعيد بن جبير ،  في قول الله ( طوى ) قال : طأ الأرض حافيا ، كما تدخل الكعبة حافيا ، يقول : من بركة الوادي  . 
حدثنا 
القاسم ،  قال : ثنا 
الحسين ،  قال : ثني 
حجاج ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  عن 
مجاهد   ( طوى ) طأ الأرض حافيا  . 
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأه بعض قراء 
المدينة   ( طوى ) بضم الطاء وترك التنوين ، كأنهم جعلوه اسم الأرض التي بها الوادي ، كما قال الشاعر : 
نصروا نبيهم وشدوا أزره     بحنين حين تواكل الأبطال 
فلم يجر 
حنين ،  لأنه جعله اسما للبلدة لا للوادي : ولو كان جعله اسما للوادي لأجراه كما قرأت القراء ( 
ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم  ) وكما قال الآخر : 
ألسنا أكرم الثقلين رحلا     وأعظمهم ببطن حراء نارا 
فلم يجر 
حراء ،  وهو جبل ، لأنه حمله اسما للبلدة ، فكذلك طوى" في قراءة من لم يجره جعله اسما للأرض . وقرأ ذلك عامة قراء أهل 
الكوفة   : ( طوى ) بضم الطاء والتنوين; وقارئو ذلك كذلك مختلفون في معناه على ما قد ذكرت من اختلاف أهل التأويل; فأما من أراد به المصدر من طويت ، فلا مؤنة في تنوينه ، وأما من أراد أن يجعله اسما للوادي ، فإنه إنما ينونه لأنه اسم ذكر لا مؤنث ، وأن لام الفعل منه ياء ، فزاده ذلك خفة فأجراه كما قال الله ( 
ويوم حنين  ) إذ كان 
حنين  اسم واد ، والوادي مذكر . 
قال 
أبو جعفر   : وأولى القولين عندي بالصواب قراءة من قرأه بضم الطاء والتنوين ، لأنه إن يكن اسما للوادي فحظه التنوين لما ذكر قبل من العلة لمن قال ذلك ، وإن كان مصدرا أو مفسرا ، فكذلك أيضا حكمه التنوين ، وهو عندي اسم الوادي . وإذ كان ذلك كذلك ، فهو في موضع خفض ردا على الوادي .  
[ ص: 283 ]