صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى ( 57 ) فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى ( 58 ) )

يقول تعالى ذكره : قال فرعون لما أريناه آياتنا كلها لرسولنا موسى : أجئتنا يا موسى لتخرجنا من منازلنا ودورنا بسحرك هذا الذي جئتنا به ( فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا ) لا نتعداه ، لنجيء بسحر مثل الذي جئت به ، فننظر أينا يغلب صاحبه ، لا نخلف ذلك الموعد ( نحن ولا أنت مكانا سوى ) يقول : بمكان عدل بيننا وبينك ونصف .

وقد اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الحجاز والبصرة وبعض الكوفيين " مكانا سوى " بكسر السين ، وقرأته عامة قراء الكوفة ( مكانا سوى ) بضمها .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا ، أنهما لغتان ، أعني الكسر والضم في السين من " سوى " مشهورتان في العرب ، وقد قرأت بكل واحدة منهما علماء من القراء ، مع اتفاق معنييهما ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . وللعرب في ذلك إذا كان بمعنى العدل ، والنصف لغة هي أشهر من الكسر والضم وهو الفتح ، كما قال جل ثناؤه ( تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ) وإذا فتح السين منه مد ، وإذا كسرت أو ضمت قصر ، كما قال الشاعر :


فإن أبانا كان حل ببلدة سوى بين قيس قيس عيلان والفزر

[ ص: 323 ] ونظير ذلك من الأسماء : طوى ، وطوى ، وثنى وثنى ، وعدى وعدى .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ( مكانا سوى ) قال : منصفا بينهم .

حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد بنحوه .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة ( مكانا سوى ) : أي عادلا بيننا وبينك .

حدثنا الحسن قال : أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قوله ( مكانا سوى ) قال : نصفا بيننا وبينك .

حدثنا موسى قال : ثنا عمرو قال : ثنا أسباط عن السدي في قوله ( فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى ) قال : يقول : عدلا .

وكان ابن زيد يقول في ذلك ما حدثني به يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( مكانا سوى ) قال : مكانا مستويا يتبين للناس ما فيه ، لا يكون صوب ولا شيء فيغيب بعض ذلك عن بعض مستو حين يرى .

التالي السابق


الخدمات العلمية