صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا ( 105 ) فيذرها قاعا صفصفا ( 106 ) لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ( 107 ) ) [ ص: 371 ] يقول تعالى ذكره : ويسألك يا محمد قومك عن الجبال ، فقل لهم : يذريها ربي تذرية ، ويطيرها بقلعها واستئصالها من أصولها ، ودك بعضها على بعض ، وتصييره إياها هباء منبثا

( فيذرها قاعا صفصفا ) يقول تعالى ذكره : فيدع أماكنها من الأرض إذا نسفها نسفا قاعا ، يعني : أرضا ملساء ، صفصفا : يعني مستويا لا نبات فيه ، ولا نشز ، ولا ارتفاع .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله ( قاعا صفصفا ) يقول : مستويا لا نبات فيه .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( فيذرها قاعا صفصفا ) قال : مستويا ، الصفصف : المستوي .

حدثني يونس قال : أخبرنا عبد الله بن يوسف قال : ثنا عبد الله بن لهيعة قال : ثنا أبو الأسود عن عروة قال : كنا قعودا عند عبد الملك حين قال كعب : إن الصخرة موضع قدم الرحمن يوم القيامة ، فقال : كذب كعب ، إنما الصخرة جبل من الجبال ، إن الله يقول ( ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا ) فسكت عبد الملك .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله ( صفصفا ) قال : مستويا .

حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد مثله .

قال أبو جعفر : وكان بعض أهل العلم بلغات العرب من أهل الكوفة يقول : القاع : مستنقع الماء ، والصفصف : الذي لا نبات فيه .

وقوله ( لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ) يقول : لا ترى في الأرض عوجا ولا أمتا .

واختلف أهل التأويل في معنى العوج والأمت ، فقال بعضهم عنى [ ص: 372 ] بالعوج في هذا الموضع الأودية ، وبالأمت الروابي والنشوز .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله ( لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ) يقول : واديا ، ولا أمتا : يقول : رابية .

حدثني محمد بن عبد الله المخرمي قال : ثنا أبو عامر العقدي عن عبد الواحد بن صفوان مولى عثمان قال : سمعت عكرمة قال : سئل ابن عباس عن قوله ( لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ) قال : هي الأرض البيضاء ، أو قال : الملساء التي ليس فيها لبنة مرتفعة .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ( لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ) قال : ارتفاعا ، ولا انخفاضا .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ) قال : لا تعادي ، الأمت : التعادي .

وقال آخرون : بل عنى بالعوج في هذا الموضع الصدوع ، وبالأمت الارتفاع من الآكام وأشباهها .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : ( لا ترى فيها عوجا ) قال : صدعا ( ولا أمتا ) يقول : ولا أكمة .

وقال آخرون : عنى بالعوج الميل ، وبالأمت الأثر .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( لا ترى فيها عوجا ) يقول : لا ترى فيها ميلا ، والأمت : الأثر مثل الشراك .

وقال آخرون : الأمت : المحاني والأحداب .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قال : الأمت : الحدب .

[ ص: 373 ] قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : عنى بالعوج الميل ، وذلك أن ذلك هو المعروف في كلام العرب .

فإن قال قائل : وهل في الأرض اليوم من عوج ، فيقال : لا ترى فيها يومئذ عوجا ، قيل : إن معنى ذلك : ليس فيها أودية وموانع تمنع الناظر أو السائر فيها عن الأخذ على الاستقامة ، كما يحتاج اليوم من أخذ في بعض سبلها إلى الأخذ أحيانا يمينا ، وأحيانا شمالا لما فيها من الجبال والأودية والبحار . وأما الأمت فإنه عند العرب الانثناء والضعف ، مسموع منهم ، مد حبله حتى ما ترك فيه أمتا ، أي انثناء ، وملأ سقاءه حتى ما ترك فيه أمتا ، ومنه قول الراجز :


ما في انجذاب سيره من أمت



يعني : من وهن وضعف ، فالواجب إذا كان ذلك معنى الأمت عندهم أن يكون أصوب الأقوال في تأويله : ولا ارتفاع ولا انخفاض ، لأن الانخفاض لم يكن إلا عن ارتفاع ، فإذا كان ذلك كذلك ، فتأويل الكلام : لا ترى فيها ميلا عن الاستواء ، ولا ارتفاعا ، ولا انخفاضا ، ولكنها مستوية ملساء ، كما قال جل ثناؤه : ( قاعا صفصفا ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية