القول في 
تأويل قوله تعالى : ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون  ( 34 ) 
كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون  ( 35 ) ) 
يقول تعالى ذكره لنبيه 
محمد  صلى الله عليه وسلم : وما خلدنا أحدا من بني آدم يا محمد قبلك في الدنيا فنخلدك فيها ، ولا بد لك من أن تموت كما مات من قبلك رسلنا ( 
أفإن مت فهم الخالدون  ) يقول : فهؤلاء المشركون بربهم هم الخالدون في الدنيا بعدك ، لا ما ذلك كذلك ، بل هم ميتون بكل حال عشت أو مت ، فأدخلت الفاء في إن وهي جزاء ، وفي جوابه ، لأن الجزاء متصل بكلام قبله ، ودخلت أيضا في قوله " فهم " لأنه جواب للجزاء ، ولو لم يكن في قوله " فهم " الفاء جاز على وجهين : أحدهما : أن تكون محذوفة ، وهي مرادة ، والآخر أن يكون مرادا تقديمها إلى الجزاء فكأنه قال : أفهم الخالدون إن مت . 
وقوله ( 
كل نفس ذائقة الموت  ) يقول تعالى ذكره : كل نفس منفوسة من خلقه معالجة غصص الموت ومتجرعة كأسها . 
وقوله ( 
ونبلوكم بالشر والخير فتنة  ) يقول تعالى ذكره : ونختبركم أيها الناس بالشر وهو الشدة نبتليكم بها ، وبالخير وهو الرخاء والسعة العافية فنفتنكم به . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
القاسم  قال : ثنا 
الحسين   : قال : ثني  
[ ص: 440 ] حجاج  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  قال : قال 
ابن عباس  قوله ( 
ونبلوكم بالشر والخير فتنة  ) قال : بالرخاء والشدة ، وكلاهما بلاء  . 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد  عن 
قتادة  قوله ( 
ونبلوكم بالشر والخير فتنة  ) يقول : نبلوكم بالشر بلاء ، والخير فتنة ، ( 
وإلينا ترجعون  ) . 
حدثنا 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : قال 
ابن زيد  في قوله ( 
ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون  ) قال : نبلوهم بما يحبون وبما يكرهون ، نختبرهم بذلك لننظر كيف شكرهم فيما يحبون ، وكيف صبرهم فيما يكرهون . 
حدثني 
علي  قال : ثنا 
أبو صالح  قال : ثني 
معاوية  عن 
علي  عن 
ابن عباس  قوله ( 
ونبلوكم بالشر والخير  ) يقول : نبتليكم بالشدة والرخاء ، والصحة والسقم ، والغنى والفقر ، والحلال والحرام ، والطاعة والمعصية ، والهدى والضلالة ، وقوله ( 
وإلينا ترجعون  ) يقول : وإلينا يردون فيجازون بأعمالهم ، حسنها وسيئها .