صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ( 62 ) قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون ( 63 ) )

يقول تعالى ذكره : فأتوا بإبراهيم ، فلما أتوا به قالوا له : أأنت فعلت هذا بآلهتنا من الكسر بها يا إبراهيم ؟ فأجابهم إبراهيم : بل فعله كبيرهم هذا وعظيمهم ، فاسألوا الآلهة من فعل بها ذلك وكسرها إن كانت تنطق ، أو تعبر عن نفسها ؟ .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة عن ابن إسحاق قال : لما أتي به واجتمع له قومه عند ملكهم نمرود ( قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون ) غضب من أن يعبدوا معه هذه الصغار وهو أكبر منها ، فكسرهن .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله ( بل فعله كبيرهم هذا ) . . . الآية ، وهي هذه الخصلة التي كادهم بها .

وقد زعم بعض من لا يصدق بالآثار ، ولا يقبل من الأخبار إلا ما استفاض به النقل من العوام ، أن معنى قوله ( بل فعله كبيرهم هذا ) إنما هو : بل فعله كبيرهم هذا إن كانوا ينطقون فاسألوهم ، أي إن كانت الآلهة المكسورة تنطق ، فإن كبيرهم هو الذي كسرهم ، وهذا قول خلاف ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن إبراهيم لم يكذب إلا ثلاث كذبات كلها في الله ، قوله ( بل فعله كبيرهم هذا ) وقوله ( إني سقيم ) وقوله لسارة : [ ص: 462 ] هي أختي ، وغير مستحيل أن يكون الله تعالى ذكره أذن لخليله في ذلك ، ليقرع قومه به ، ويحتج به عليهم ، ويعرفهم موضع خطئهم ، وسوء نظرهم لأنفسهم ، كما قال مؤذن يوسف لإخوته ( أيتها العير إنكم لسارقون ) ولم يكونوا سرقوا شيئا .

التالي السابق


الخدمات العلمية