القول في 
تأويل قوله تعالى : ( فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين  ( 88 ) ) 
يقول تعالى ذكره ( فاستجنا ) 
ليونس  دعاءه إيانا ، إذ دعانا في بطن الحوت ، ونجيناه من الغم الذي كان فيه بحبسناه في بطن الحوت وغمه بخطيئته وذنبه ( 
وكذلك ننجي المؤمنين  ) ، يقول جل ثناؤه : وكما أنجينا 
يونس  من كرب الحبس في بطن الحوت في البحر إذ دعانا ، كذلك ننجي المؤمنين من كربهم إذا استغاثوا بنا ودعونا . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الأثر .  
[ ص: 519 ] ذكر من قال ذلك : حدثنا 
عمران بن بكار الكلاعي  ، قال : ثنا 
يحيى بن عبد الرحمن  ، قال : ثنا 
أبو يحيى بن عبد الرحمن  ، قال : ثني 
بشر بن منصور  عن 
علي بن زيد  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب  ، قال : سمعت 
 nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن مالك  يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=812769اسم الله الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى ، دعوة يونس بن متى  ، قال : فقلت : يا رسول الله ، هي ليونس بن متى  خاصة أم لجماعة المسلمين ؟ قال : هي ليونس بن متى  خاصة ، وللمؤمنين عامة إذا دعوا بها ، ألم تسمع قول الله تبارك وتعالى ( فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين  ) " فهو شرط الله لمن دعاه بها . 
واختلفت القراء في قراءة قوله ( 
ننجي المؤمنين  ) فقرأت ذلك قراء الأمصار ، سوى 
عاصم  ، بنونين الثانية منهما ساكنة ، من أنجيناه ، فنحن ننجيه ، وإنما قرءوا ذلك كذلك وكتابته في المصاحف بنون واحدة ، لأنه لو قرئ بنون واحدة وتشديد الجيم ، بمعنى ما لم يسم فاعله ، كان " المؤمنون " رفعا ، وهم في المصاحف منصوبون ، ولو قرئ بنون واحدة وتخفيف الجيم ، كان الفعل للمؤمنين وكانوا رفعا ، ووجب مع ذلك أن يكون قوله " نجى " مكتوبا بالألف ، لأنه من ذوات الواو ، وهو في المصاحف بالياء . 
فإن قال قائل : فكيف كتب ذلك بنون واحدة ، وقد علمت أن حكم ذلك إذا قرئ ( ننجي ) أن يكتب بنونين ؟ قيل : لأن النون الثانية لما سكنت وكان الساكن غير ظاهر على اللسان حذفت كما فعلوا ذلك ب " إلا " لا فحذفوا النون من " إن " لخفائها ، إذ كانت مندغمة في اللام من " لا " ، وقرأ ذلك 
عاصم   ( نجي المؤمنين ) بنون واحدة ، وتثقيل الجيم ، وتسكين الياء ، فإن يكن 
عاصم  وجه قراءته ذلك إلى قول العرب : ضرب الضرب زيدا ، فكني عن المصدر الذي هو النجاء ، وجعل الخبر ، أعني خبر ما لم يسم فاعله المؤمنين ، كأنه أراد : وكذلك نجى المؤمنين ، فكنى عن النجاء ، فهو وجه ، وإن كان غيره أصوب ، وإلا فإن الذي قرأ من ذلك على ما قرأه لحن ، لأن المؤمنين اسم على القراءة التي قرأها ما لم يسم فاعله ، والعرب ترفع ما كان من الأسماء كذلك ، وإنما حمل عاصما على هذه القراءة أنه وجد المصاحف بنون واحدة وكان في قراءته إياه  
[ ص: 520 ] على ما عليه قراءة القراء إلحاق نون أخرى ليست في المصحف ، فظن أن ذلك زيادة ما ليس في المصحف ، ولم يعرف لحذفها وجها يصرفه إليه . 
قال 
أبو جعفر   : والصواب من القراءة التي لا أستجيز غيرها في ذلك عندنا ما عليه قراء الأمصار ، من قراءته بنونين وتخفيف الجيم ، لإجماع الحجة من القراء عليها وتخطئتها خلافه .