1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة الأنبياء
  4. القول في تأويل قوله تعالى " وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين ( 89 ) فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين ( 90 ) )

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم :

واذكر يا محمد زكريا حين نادى ربه ( رب لا تذرني ) وحيدا ( فردا ) لا ولد لي ولا عقب ( وأنت خير الوارثين ) يقول : فارزقني وارثا من آل يعقوب يرثني ، ثم رد الأمر إلى الله فقال وأنت خير الوارثين ، يقول الله جل ثناؤه : فاستجبنا لزكريا دعاءه ، ووهبنا له يحيى ولدا ووارثا يرثه ، وأصلحنا له زوجه .

واختلف أهل التأويل في معنى الصلاح الذي عناه الله جل ثناؤه بقوله ( وأصلحنا له زوجه ) فقال بعضهم : كانت عقيما فأصلحها بأن جعلها ولودا .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبيد المحاربي ، قال : ثنا حاتم بن إسماعيل ، عن حميد بن صخر ، عن عمار ، عن سعيد ، في قوله ( وأصلحنا له زوجه ) قال : كانت لا تلد .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس ، في قوله ( وأصلحنا له زوجه ) قال : وهبنا له ولدها .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله [ ص: 521 ] ( وأصلحنا له زوجه ) كانت عاقرا ، فجعلها الله ولودا ، ووهب له منها يحيى .

وقال آخرون : كانت سيئة الخلق ، فأصلحها الله له بأن رزقها حسن الخلق .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله أصلح لزكريا زوجه ، كما أخبر تعالى ذكره بأن جعلها ولودا حسنة الخلق ، لأن كل ذلك من معاني إصلاحه إياها ، ولم يخصص الله جل ثناؤه بذلك بعضا دون بعض في كتابه ، ولا على لسان رسوله ، ولا وضع على خصوص ذلك دلالة ، فهو على العموم ما لم يأت ما يجب التسليم له بأن ذلك مراد به بعض دون بعض .

وقوله ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ) يقول الله : إن الذين سميناهم ، يعني زكريا وزوجه ويحيى ، كانوا يسارعون في الخيرات في طاعتنا ، والعمل بما يقربهم إلينا ، وقوله ( ويدعوننا رغبا ورهبا ) يقول تعالى ذكره : وكانوا يعبدوننا رغبا ورهبا ، وعنى بالدعاء في هذا الموضع العبادة ، كما قال ( وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا ) ويعني بقوله ( رغبا ) أنهم كانوا يعبدونه رغبة منهم فيما يرجون منه من رحمته وفضله ( ورهبا ) يعني رهبة منهم من عذابه وعقابه ، بتركهم عبادته وركوبهم معصيته .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا ) قال : رغبا في رحمة الله ، ورهبا من عذاب الله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( ويدعوننا رغبا ورهبا ) قال : خوفا وطمعا ، قال : وليس ينبغي لأحدهما أن يفارق الآخر .

واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار ( رغبا ورهبا ) بفتح الغين والهاء من الرغب والرهب ، واختلف عن الأعمش في ذلك ، فرويت عنه الموافقة في ذلك للقراء ، وروي عنه أنه قرأها رغبا ورهبا بضم الراء في الحرفين وتسكين الغين والهاء . [ ص: 522 ] والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قراء الأمصار ، وذلك الفتح في الحرفين كليهما .

وقوله ( وكانوا لنا خاشعين ) يقول : وكانوا لنا متواضعين متذللين ، ولا يستكبرون عن عبادتنا ودعائنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية