القول في تأويل قوله تعالى : ( 
ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق  ) 
قال 
أبو جعفر   : يعني بقوله جل ثناؤه : ( 
ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق  ) ، الفريق الذين لما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم ، نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ، واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك 
سليمان ،  فقال جل ثناؤه : لقد علم النابذون - من يهود بني  
[ ص: 451 ] إسرائيل - كتابي وراء ظهورهم تجاهلا منهم ، التاركون العمل بما فيه من اتباعك يا 
محمد  واتباع ما جئت به ، بعد إنزالي إليك كتابي مصدقا لما معهم ، وبعد إرسالك إليهم بالإقرار بما معهم وما في أيديهم ، المؤثرون عليه اتباع السحر الذي تلته الشياطين على عهد 
سليمان  ، والذي أنزل على الملكين 
ببابل  هاروت  وماروت   - لمن اشترى السحر بكتابي الذي أنزلته على رسولي فآثره عليه ما له في الآخرة من خلاق . كما : - 
1705 - حدثنا 
بشر بن معاذ  قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع  قال : حدثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة   : ( 
ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق  ) ، يقول : قد علم ذلك أهل الكتاب في عهد الله إليهم : أن الساحر لا خلاق له عند الله يوم القيامة  . 
1706 - حدثنا 
موسى  قال : حدثنا 
عمرو  قال : حدثنا 
أسباط  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي   : ( 
ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق  ) ، يعني 
اليهود   . يقول : لقد علمت 
اليهود  أن من تعلمه أو اختاره ، ما له في الآخرة من خلاق  . 
1707 - وحدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
أبو حذيفة  قال : حدثنا 
شبل  ، عن 
ابن أبي نجيح  ، عن 
مجاهد   : ( 
ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق  ) ، لمن اشترى ما يفرق به بين المرء وزوجه . 
1708 - حدثني 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : قال 
ابن زيد   : ( 
ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق  ) ، قال : قد علمت يهود أن في كتاب الله في التوراة : أن من اشترى السحر وترك دين الله ، ما له في الآخرة من خلاق ، فالنار مثواه ومأواه  . 
قال 
أبو جعفر   : وأما قوله : ( لمن اشتراه ) ، فإن "من" في موضع رفع ، وليس  
[ ص: 452 ] قوله : ( ولقد علموا ) بعامل فيها؛ لأن قوله : ( ولقد علموا ) ، بمعنى اليمين ، فلذلك كانت في موضع رفع؛ لأن الكلام بمعنى : والله لمن اشترى السحر ما له في الآخرة من خلاق . ولكون قوله : ( قد علموا ) بمعنى اليمين ، حققت ب "لام اليمين" ، فقيل : ( لمن اشتراه ) ، كما يقال : "أقسم لمن قام خير ممن قعد" . وكما يقال : "قد علمت ، لعمرو خير من أبيك" . 
وأما "من" فهو حرف جزاء . وإنما قيل : "اشتراه" ولم يقل : "يشتروه" ، لدخول "لام القسم" على "من" . ومن شأن العرب - إذا أحدثت على حرف الجزاء لام القسم - أن لا ينطقوا في الفعل معه إلا ب "فعل" دون "يفعل" ، إلا قليلا كراهية أن يحدثوا على الجزاء حادثا وهو مجزوم ، كما قال الله جل ثناؤه : ( 
لإن أخرجوا لا يخرجون معهم  ) [ سورة الحشر : 12 ] ، وقد يجوز إظهار فعله بعده على "يفعل" مجزوما ، 
كما قال الشاعر : 
لإن تك قد ضاقت عليكم بيوتكم ليعلم ربي أن بيتي واسع 
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( 
ما له في الآخرة من خلاق  ) . فقال بعضهم : "الخلاق" في هذا الموضع : النصيب . 
ذكر من قال ذلك : 
1709 - حدثني 
المثنى بن إبراهيم  قال : حدثنا 
أبو حذيفة  قال : حدثنا 
شبل  ، عن 
ابن أبي نجيح  ، عن 
مجاهد   : ( 
ما له في الآخرة من خلاق  ) ، يقول : من نصيب .  
[ ص: 453 ] 
1710 - حدثني 
موسى بن هارون  قال : حدثنا 
عمرو  قال : حدثنا 
أسباط ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي   : ( 
ما له في الآخرة من خلاق  ) ، من نصيب . 
1711 - حدثني 
المثنى  قال : حدثني 
إسحاق  قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ،  قال 
سفيان   : سمعنا في : ( 
وما له في الآخرة من خلاق  ) ، أنه ما له في الآخرة من نصيب . 
وقال بعضهم : "الخلاق" ههنا الحجة . 
ذكر من قال ذلك : 
1712 - حدثنا 
الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا 
عبد الرزاق  قال : أخبرنا 
معمر  ، عن 
قتادة   : ( 
وما له في الآخرة من خلاق  ) ، قال : ليس له في الآخرة حجة . 
وقال آخرون : الخلاق : الدين . 
ذكر من قال ذلك : 
1713 - حدثنا 
الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا 
عبد الرزاق  قال : أخبرنا 
معمر  قال : قال 
الحسن   : ( 
ما له في الآخرة من خلاق  ) ، قال : ليس له دين . 
وقال آخرون : "الخلاق" ههنا القوام . 
ذكر من قال ذلك : 
1714 - حدثنا 
القاسم  قال : حدثنا 
الحسين  قال : حدثني 
حجاج  قال : قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  قال 
ابن عباس   : ( 
ما له في الآخرة من خلاق  ) ، قال : قوام . 
قال 
أبو جعفر   : وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال : معنى"الخلاق " في هذا الموضع : النصيب . وذلك أن ذلك معناه في كلام العرب . 
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم :  
[ ص: 454 ] 
1715 - "ليؤيدن الله هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم" . 
يعني لا نصيب لهم ولا حظ في الإسلام والدين . ومنه قول 
أمية بن أبي الصلت   : 
يدعون بالويل فيها لا خلاق لهم     إلا سرابيل من قطر وأغلال 
يعني بذلك : لا نصيب لهم ولا حظ ، إلا السرابيل والأغلال . 
فكذلك قوله : ( 
ما له في الآخرة من خلاق  ) : ما له في الدار الآخرة حظ من الجنة ، من أجل أنه لم يكن له إيمان ولا دين ولا عمل صالح يجازى به في الجنة ويثاب عليه ، فيكون له حظ ونصيب من الجنة . وإنما قال جل ثناؤه : ( 
ما له في الآخرة من خلاق  ) ، فوصفه بأنه لا نصيب له في الآخرة ، وهو يعني به : لا نصيب له من جزاء وثواب وجنة دون نصيبه من النار ، إذ كان قد دل ذمه - جل ثناؤه - أفعالهم - التي نفى من أجلها أن يكون لهم في الآخرة نصيب - على مراده من الخبر ، وأنه إنما يعني بذلك أنه لا نصيب لهم فيها من الخيرات ، وأما من الشرور فإن لهم فيها نصيبا .