صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ( 95 ) ) [ ص: 525 ] اختلفت القراء في قراءة قوله ( وحرام ) فقرأته عامة قراء أهل الكوفة ( وحرم ) بكسر الحاء ، وقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة والبصرة ( وحرام ) بفتح الحاء والألف .

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متفقتا المعنى غير مختلفتيه ، وذلك أن الحرم هو الحرام ، والحرام هو الحرم ، كما الحل هو الحلال والحلال هو الحل ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، وكان ابن عباس يقرؤه : ( وحرم ) بتأويل : وعزم .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية عن أبي المعلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، كان يقرؤها ( وحرم على قرية ) قال : فقلت لسعيد : أي شيء حرم ؟ قال : عزم .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة عن أبي المعلى عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، كان يقرؤها ( وحرم على قرية ) قلت لأبي المعلى : ما الحرم ؟ قال : عزم عليها .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أنه كان يقرأ هذه الآية ( وحرم على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ) فلا يرجع منهم راجع ، ولا يتوب منهم تائب .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الوهاب ، قال : ثنا داود عن عكرمة ، قال ( وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ) قال : لم يكن ليرجع منهم راجع ، حرام عليهم ذلك .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا عيسى بن فرقد ، قال : ثنا جابر الجعفي ، قال : سألت أبا جعفر عن الرجعة ، فقرأ هذه الآية ( وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ) .

فكأن أبا جعفر وجه تأويل ذلك إلى أنه : وحرام على أهل قرية أمتناهم أن يرجعوا إلى الدنيا ، والقول الذي قاله عكرمة في ذلك أولى عندي بالصواب ، وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن تفريق الناس دينهم الذي بعث به إليهم الرسل ، ثم أخبر عن صنيعه بمن عمل بما دعته إليه رسله من الإيمان به والعمل بطاعته ، ثم أتبع ذلك قوله ( وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ) فلأن يكون ذلك خبرا عن صنيعه بمن أبى إجابة رسله وعمل بمعصيته ، وكفر به ، [ ص: 526 ] أحرى ، ليكون بيانا عن حال القرية الأخرى التي لم تعمل الصالحات وكفرت به .

فإذا كان ذلك كذلك ، فتأويل الكلام : حرام على أهل قرية أهلكناهم بطبعنا على قلوبهم وختمنا على أسماعهم وأبصارهم ، إذ صدوا عن سبيلنا وكفروا بآياتنا ، أن يتوبوا ويراجعوا الإيمان بنا واتباع أمرنا والعمل بطاعتنا ، وإذ كان ذلك تأويل قول الله ( وحرم ) وعزم ، على ما قال سعيد ، لم تكن " لا " في قوله ( أنهم لا يرجعون ) صلة ، بل تكون بمعنى النفي ، ويكون معنى الكلام : وعزم منا على قرية أهلكناها أن لا يرجعوا عن كفرهم ، وكذلك إذا كان معنى قوله وحرم نوجبه ، وقد زعم بعضهم أنها في هذا الموضع صلة ، فإن معنى الكلام : وحرام على قرية أهلكناها أن يرجعوا ، وأهل التأويل الذين ذكرناهم كانوا أعلم بمعنى ذلك منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية