1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة الأنبياء
  4. القول في تأويل قوله تعالى " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ( 105 ) )

اختلف أهل التأويل في المعني بالزبور والذكر في هذا الموضع ، فقال بعضهم : عني بالزبور كتب الأنبياء كلها التي أنزلها الله عليهم ، وعني بالذكر : أم الكتاب التي عنده في السماء .

ذكر من قال ذلك : حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي ، قال : ثنا يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، قال : سألت سعيدا ، عن قول الله ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ) قال : الذكر : الذي في السماء .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا عيسى بن يونس ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، في قوله ( ولقد كتبنا في الزبور ) قال : قرأها الأعمش : ( الزبر ) قال : الزبور ، والتوراة ، والإنجيل ، والقرآن ، ( من بعد الذكر ) قال : الذكر الذي في السماء .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( الزبور ) قال : الكتاب ، ( من بعد الذكر ) قال : أم الكتاب عند الله .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله ( الزبور ) قال : الكتاب ، ( بعد الذكر ) قال : أم الكتاب عند الله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( ولقد كتبنا في الزبور ) قال : الزبور : الكتب التي أنزلت على الأنبياء ، والذكر : أم الكتاب الذي تكتب فيه الأشياء قبل ذلك .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن سعيد ، في قوله [ ص: 548 ] ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ) قال : كتبنا في القرآن من بعد التوراة .

وقال آخرون : بل عنى بالزبور الكتب التي أنزلها الله على من بعد موسى من الأنبياء ، وبالذكر التوراة .

ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ) . . . الآية ، قال : الذكر : التوراة ، والزبور : الكتب .

حدثنا عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ) . . . الآية ، قال : الذكر : التوراة ، ويعني بالزبور من بعد التوراة : الكتب .

وقال آخرون : بل عنى بالزبور زبور داود ، وبالذكر توراة موسى صلى الله عليهما .

ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا عبد الوهاب ، قال : ثنا داود ، عن عامر أنه قال في هذه الآية ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ) قال : زبور داود ، من بعد الذكر : ذكر موسى التوراة .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن داود ، عن الشعبي ، أنه قال في هذه الآية ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ) قال : في زبور داود ، من بعد ذكر موسى .

وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب في ذلك ما قاله سعيد بن جبير ومجاهد ومن قال بقولهما في ذلك ، من أن معناه : ولقد كتبنا في الكتب من بعد أم الكتاب الذي كتب الله كل ما هو كائن فيه قبل خلق السماوات والأرض ، وذلك أن الزبور هو الكتاب ، يقال منه : زبرت الكتاب وذبرته : إذا كتبته ، وأن كل كتاب أنزله الله إلى نبي من أنبيائه ، فهو ذكر . فإذ كان ذلك كذلك ، فإن في إدخاله الألف واللام في الذكر الدلالة البينة أنه معني به ذكر بعينه معلوم عند المخاطبين بالآية ، ولو كان ذلك غير أم الكتاب التي ذكرنا لم تكن التوراة [ ص: 549 ] بأولى من أن تكون المعنية بذلك من صحف إبراهيم ، فقد كان قبل زبور داود .

فتأويل الكلام إذن ، إذ كان ذلك كما وصفنا : ولقد قضينا ، فأثبتنا قضاءنا في الكتب من بعد أم الكتاب أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ، يعني بذلك : أن أرض الجنة يرثها عبادي العاملون بطاعته ، المنتهون إلى أمره ونهيه من عباده ، دون العاملين بمعصيته منهم المؤثرين طاعة الشيطان على طاعته .

ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن عبد الله الهلالي ، قال : ثنا عبيد الله بن موسى ، قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي يحيى القتات عن مجاهد ، عن ابن عباس قوله ( أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) قال : أرض الجنة .

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي عن ابن عباس قوله ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) قال : أخبر سبحانه في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض ، أن يورث أمة محمد صلى الله عليه وسلم الأرض ، ويدخلهم الجنة ، وهم الصالحون .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن سعيد بن جبير في قوله ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) قال : كتبنا في القرآن بعد التوراة ، والأرض أرض الجنة .

حدثني علي بن سهل ، قال : ثنا حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس عن أبي العالية ( أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) قال : الأرض : الجنة .

حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي ، قال : ثنا يحيى بن عيسى ، عن الأعمش قال : سألت سعيدا عن قول الله ( أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) قال : أرض الجنة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله ( أن الأرض ) قال : الجنة ، ( يرثها عبادي الصالحون ) .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، [ ص: 550 ] عن مجاهد ، مثله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) قال : الجنة ، وقرأ قول الله جل ثناؤه ( وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين ) قال : فالجنة مبتدؤها في الأرض ثم تذهب درجات علوا ، والنار مبتدؤها في الأرض ، وبينهما حجاب سور ما يدري أحد ما ذاك السور ، وقرأ ( باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ) قال : ودرجها تذهب سفالا في الأرض ، ودرج الجنة تذهب علوا في السماوات .

حدثنا محمد بن عوف ، قال : ثنا أبو المغيرة ، قال : ثنا صفوان ، سألت عامر بن عبد الله أبا اليمان : هل لأنفس المؤمنين مجتمع ؟ قال : فقال : إن الأرض التي يقول الله ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) قال : هي الأرض التي تجتمع إليها أرواح المؤمنين حتى يكون البعث .

وقال آخرون : هي الأرض يورثها الله المؤمنين في الدنيا .

وقال آخرون : عني بذلك بنو إسرائيل ، وذلك أن الله وعدهم ذلك فوفى لهم به .

واستشهد لقوله ذلك بقول الله ( وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها ) وقد ذكرنا قول من قال ( أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) أنها أرض الأمم الكافرة ، ترثها أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو قول ابن عباس الذي روى عنه علي بن أبي طلحة .

التالي السابق


الخدمات العلمية