صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ( 5 ) )

يقول تعالى ذكره : ومنكم أيها الناس من يتوفى قبل أن يبلغ أشده فيموت ، ومنكم من ينسأ في أجله فيعمر حتى يهرم ، فيرد من بعد انتهاء شبابه وبلوغه غاية أشده ، إلى أرذل عمره ، وذلك الهرم ، حتى يعود كهيئته في حال صباه لا يعقل من بعد عقله الأول شيئا .

ومعنى الكلام : ومنكم من يرد إلى أرذل العمر بعد بلوغه أشده ( لكيلا يعلم من بعد علم ) كان يعلمه ( شيئا ) .

وقوله ( وترى الأرض هامدة ) يقول تعالى ذكره : وترى الأرض يا محمد يابسة دارسة الآثار من النبات والزرع ، وأصل الهمود : الدروس والدثور ، ويقال منه : همدت الأرض تهمد همودا ; ومنه قول الأعشى ميمون بن قيس :


قالت قتيلة ما لجسمك شاحبا وأرى ثيابك باليات همدا



والهمد : جمع هامد ، كما الركع جمع راكع .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن ابن جريج في قوله ( وترى الأرض هامدة ) قال : لا نبات فيها . [ ص: 571 ] وقوله ( فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت ) يقول تعالى ذكره : فإذا نحن أنزلنا على هذه الأرض الهامدة التي لا نبات فيها المطر من السماء اهتزت يقول : تحركت بالنبات ، ( وربت ) يقول : وأضعفت النبات بمجيء الغيث .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة ( اهتزت وربت ) قال : عرف الغيث في ربوها .

حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة ( اهتزت وربت ) قال : حسنت ، وعرف الغيث في ربوها .

وكان بعضهم يقول : معنى ذلك : فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت ، ويوجه المعنى إلى الزرع ، وإن كان الكلام مخرجه على الخبر عن الأرض ، وقرأت قراء الأمصار ( وربت ) بمعنى الربو ، الذي هو النماء والزيادة .

وكان أبو جعفر القارئ يقرأ ذلك ( وربأت ) بالهمز .

حدثت عن الفراء عن أبي عبد الله التميمي عنه ، وذلك غلط ، لأنه لا وجه للرب هاهنا ، وإنما يقال : ربأ بالهمز بمعنى حرس من الربيئة ، ولا معنى للحراسة في هذا الموضع ، والصحيح من القراءة ما عليه قراء الأمصار .

وقوله ( وأنبتت من كل زوج بهيج ) يقول جل ثناؤه : وأنبتت هذه الأرض الهامدة بذلك الغيث من كل نوع بهيج ، يعني بالبهيج البهج ، وهو الحسن .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : ثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة ( وأنبتت من كل زوج بهيج ) قال : حسن .

حدثنا الحسن قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة مثله . [ ص: 572 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية