صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ( 27 ) ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ( 28 ) ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ( 29 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : عهدنا إليه أيضا أن أذن في الناس بالحج : يعني بقوله : ( وأذن ) أعلم وناد في الناس أن حجوا أيها الناس بيت الله الحرام ( يأتوك رجالا ) يقول : فإن الناس يأتون البيت الذي تأمرهم بحجه مشاة على أرجلهم ( وعلى كل ضامر ) يقول : وركبانا على كل ضامر ، وهي الإبل المهازيل ( يأتين من كل فج عميق ) يقول : تأتي هذه الضوامر من كل فج عميق : يقول : من كل طريق ومكان ومسلك بعيد . وقيل : يأتين . فجمع لأنه أريد بكل ضامر : النوق . ومعنى الكل : الجمع ، فلذلك قيل : يأتين . وقد زعم الفراء أنه قليل في كلام العرب : مررت على كل رجل قائمين . قال : وهو صواب ، وقول الله " وعلى ضامر يأتين " ينبئ على صحة جوازه . وذكر أنإبراهيم صلوات الله عليه لما أمره الله بالتأذين بالحج ، قام على مقامه فنادى : يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا بيته العتيق .

وقد اختلف في صفة تأذين إبراهيم بذلك . فقال بعضهم : نادى بذلك كما حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له : ( أذن في الناس بالحج ) قال : رب وما يبلغ صوتي ؟ قال : أذن وعلي البلاغ فنادى إبراهيم : أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فحجوا - قال : فسمعه ما بين السماء والأرض ، أفلا ترى الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبون .

[ ص: 606 ] حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : ثنا محمد بن فضيل بن غزوان الضبي ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لما بنى إبراهيم البيت أوحى الله إليه ، أن أذن في الناس بالحج ، قال : فقال إبراهيم : ألا إن ربكم قد اتخذ بيتا ، وأمركم أن تحجوه ، فاستجاب له ما سمعه من شيء من حجر وشجر وأكمة أو تراب أو شيء : لبيك اللهم لبيك .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا ابن واقد ، عن أبي الزبير ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قوله : ( وأذن في الناس بالحج ) قال : قام إبراهيم خليل الله على الحجر ، فنادى : يا أيها الناس كتب عليكم الحج ، فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، فأجابه من آمن من سبق في علم الله أن يحج إلى يوم القيامة : لبيك اللهم لبيك .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير : ( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا ) قال : وقرت في قلب كل ذكر وأنثى .

حدثني ابن حميد ، قال : ثنا حكام عن عمرو ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، قال : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت ، أوحى الله إليه ، أن أذن في الناس بالحج ، قال : فخرج فنادى في الناس : يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه ، فلم يسمعه يومئذ من إنس ، ولا جن ، ولا شجر ، ولا أكمة ، ولا تراب ، ولا جبل ، ولا ماء ، ولا شيء إلا قال : لبيك اللهم لبيك .

قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : قام إبراهيم على المقام حين أمر أن يؤذن في الناس بالحج .

حدثني القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، في قوله : ( وأذن في الناس بالحج ) قال : قام إبراهيم على مقامه ، فقال : يا أيها الناس أجيبوا ربكم ، فقالوا : لبيك اللهم لبيك ، فمن حج اليوم فهو ممن أجاب إبراهيم يومئذ .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن داود ، عن عكرمة بن خالد المخزومي ، قال : لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت ، قام على المقام ، فنادى نداء سمعه أهل الأرض : إن ربكم قد بنى لكم بيتا فحجوه ، قال داود : [ ص: 607 ] فأرجو من حج اليوم من إجابة إبراهيم عليه السلام .

حدثني محمد بن سنان القزاز ، قال : ثنا حجاج ، قال : ثنا حماد ، عن أبي عاصم الغنوي ، عن أبي الطفيل ، قال : قال ابن عباس : هل تدري كيف كانت التلبية ؟ قلت : وكيف كانت التلبية ؟ قال : إن إبراهيم لما أمر أن يؤذن في الناس بالحج ، خفضت له الجبال رءوسها ، ورفعت القرى ، فأذن في الناس .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير عن منصور ، عن مجاهد قوله : ( وأذن في الناس بالحج ) قال إبراهيم : كيف أقول يا رب ؟ قال : قل : يا أيها الناس استجيبوا لربكم ، قال : وقرت في قلب كل مؤمن .

وقال آخرون فى ذلك ، ما حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان عن سلمة ، عن مجاهد ، قال : قيل لإبراهيم : أذن في الناس بالحج ، قال : يا رب كيف أقول ؟ قال : قل لبيك اللهم لبيك . قال : فكانت أول التلبية .

وكان ابن عباس يقول : عنى بالناس في هذا الموضع أهل القبلة .

ذكر الرواية بذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( وأذن في الناس بالحج ) يعني بالناس أهل القبلة ، ألم تسمع أنه قال : ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا . . . [ إلى قوله : ( ومن دخله كان آمنا [ يقول : ومن دخله من الناس الذين أمر أن يؤذن فيهم ، وكتب عليهم الحج ، فإنه آمن ، فعظموا حرمات الله تعالى ، فإنها من تقوى القلوب .

وأما قوله : ( يأتوك رجالا وعلى كل ضامر ) فإن أهل التأويل قالوا فيه نحو قولنا .

حدثنا القاسم ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : ( يأتوك رجالا ) قال : مشاة .

[ ص: 608 ] قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو معاوية عن الحجاج بن أرطأة ، قال : قال ابن عباس : ما آسى على شيء فاتني إلا أن لا أكون حججت ماشيا ، سمعت الله يقول : ( يأتوك رجالا ) .

قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : حج إبراهيم وإسماعيل ماشيين .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، عن ابن عباس : ( يأتوك رجالا ) قال : على أرجلهم .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( وعلى كل ضامر ) قال : الإبل .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : ( وعلى كل ضامر ) قال : الإبل .

حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي ، قال : ثنا المحاربي ، عن عمر بن ذر ، قال : قال مجاهد : كانوا لا يركبون ، فأنزل الله : ( يأتوك رجالا وعلى كل ضامر ) قال : فأمرهم بالزاد ، ورخص لهم في الركوب والمتجر .

وقوله ( من كل فج عميق ) حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( من كل فج عميق ) يعني : من مكان بعيد .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : ( من كل فج عميق ) قال : بعيد .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور عن معمر ، عن قتادة : ( فج عميق ) قال : مكان بعيد .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة مثله .

وقوله : ( ليشهدوا منافع لهم ) اختلف أهل التأويل في معنى المنافع التي ذكرها الله في هذا الموضع فقال بعضهم : هي التجارة ومنافع الدنيا .

ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام ، قال : ثنا [ ص: 609 ] عمرو بن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس : ( ليشهدوا منافع لهم ) قال : هي الأسواق .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين قال : ثنا أبو تميلة ، عن أبي حمزة ، عن جابر بن الحكم ، عن مجاهد عن ابن عباس ، قال : تجارة .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا سفيان ، عن عاصم بن بهدلة ، عن أبي رزين ، في قوله : ( ليشهدوا منافع لهم ) قال : أسواقهم .

قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن واقد ، عن سعيد بن جبير : ( ليشهدوا منافع لهم ) قال : التجارة .

حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : أخبرنا إسحاق عن سفيان ، عن واقد ، عن سعيد بن جبير مثله .

حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان عن واقد عن سعيد مثله .

حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا سنان ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن أبي رزين : ( ليشهدوا منافع لهم ) قال : الأسواق .

وقال آخرون : هي الأجر في الآخرة ، والتجارة في الدنيا .

ذكر من قال ذلك : - حدثنا ابن بشار وسوار بن عبد الله ، قالا ثنا يحيى بن سعيد ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( ليشهدوا منافع لهم ) قال : التجارة ، وما يرضي الله من أمر الدنيا والآخرة .

حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : ثنا إسحاق ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان عن سفيان عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : ثنا سفيان قال : أخبرنا إسحاق عن أبي بشر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( ليشهدوا منافع لهم ) قال : الأجر في الآخرة ، والتجارة في الدنيا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله . [ ص: 610 ] وقال آخرون : بل هي العفو والمغفرة .

ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان عن جابر ، عن أبي جعفر : ( ليشهدوا منافع لهم ) قال : العفو .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني أبو تميلة عن أبي حمزة ، عن جابر قال : قال محمد بن علي : مغفرة .

وأولى الأقوال بالصواب قول من قال : عنى بذلك : ليشهدوا منافع لهم من العمل الذي يرضي الله والتجارة ، وذلك أن الله عم لهم منافع جميع ما يشهد له الموسم ، ويأتي له مكة أيام الموسم من منافع الدنيا والآخرة ، ولم يخصص من ذلك شيئا من منافعهم بخبر ولا عقل ، فذلك على العموم في المنافع التي وصفت .

وقوله : ( ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) يقول تعالى ذكره : وكي يذكروا اسم الله على ما رزقهم من الهدايا والبدن التي أهدوها من الإبل والبقر والغنم ، في أيام معلومات ، وهن أيام التشريق في قول بعض أهل التأويل . وفي قول بعضهم أيام العشر . وفي قول بعضهم : يوم النحر وأيام التشريق .

وقد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في ذلك بالروايات ، وبينا الأولى بالصواب منها في سورة البقرة ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع ، غير أني أذكر بعض ذلك أيضا في هذا الموضع .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : ( ويذكروا اسم الله في أيام معلومات ) يعني أيام التشريق .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك في قوله : ( أيام معلومات ) يعني أيام التشريق ، ( على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) يعني البدن .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( في أيام معلومات ) قال : أيام العشر ، والمعدودات : أيام التشريق . [ ص: 611 ] وقوله : ( فكلوا منها ) يقول : كلوا من بهائم الأنعام التي ذكرتم اسم الله عليها أيها الناس هنالك . وهذا الأمر من الله جل ثناؤه أمر إباحة لا أمر إيجاب ، وذلك أنه لا خلاف بين جميع الحجة أن ذابح هديه أو بدنته هنالك إن لم يأكل من هديه أو بدنته أنه لم يضيع له فرضا كان واجبا عليه ، فكان معلوما بذلك أنه غير واجب .

ذكر الرواية عن بعض من قال ذلك من أهل العلم : - حدثنا سوار بن عبد الله ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، عن ابن جريج ، عن عطاء قوله : ( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) قال : كان لا يرى الأكل منها واجبا .

حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن مجاهد ، أنه قال : هي رخصة إن شاء أكل ، وإن شاء لم يأكل ، وهي كقوله : ( وإذا حللتم فاصطادوا ) ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض ) يعني قوله : ( فكلوا منها وأطمعوا القانع والمعتر ) .

قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم ، في قوله : ( فكلوا منها ) قال : هي رخصة ، فإن شاء أكل وإن شاء لم يأكل .

قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حجاج ، عن عطاء في قوله : ( فكلوا منها ) قال : هي رخصة ، فإن شاء لم وإن شاء لم يأكل .

حدثني علي بن سهل ، قال : ثنا زيد قال : ثنا سفيان ، عن حصين عن مجاهد ، في قوله : ( فكلوا منها ) قال : إنما هي رخصة .

وقوله : ( وأطعموا البائس الفقير ) يقول :

وأطعموا مما تذبحون أو تنحرون هنالك من بهيمة الأنعام من هديكم وبدنكم البائس ، وهو الذي به ضر الجوع والزمانة والحاجة ، والفقير الذي لا شيء له .

وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) يعني الزمن الفقير .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن رجل ، [ ص: 612 ] عن مجاهد : ( البائس الفقير ) الذي يمد إليك يديه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( البائس الفقير ) قال : هو القانع .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عمر بن عطاء ، عن عكرمة ، قال : البائس : المضطر الذي عليه البؤس - والفقير : المتعفف .

قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : ( البائس ) الذي يبسط يديه . وقوله : ( ثم ليقضوا تفثهم ) يقول تعالى ذكره : ثم ليقضوا ما عليهم من مناسك حجهم : من حلق شعر ، وأخذ شارب ، ورمي جمرة ، وطواف بالبيت .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن أبي الشوارب ، قال : ثني يزيد ، قال : أخبرنا الأشعث بن سوار ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه قال : ( ثم ليقضوا تفثهم ) قال : ما هم عليه في الحج .

حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثني الأشعث ، عن نافع عن ابن عمر ، قال : التفث : المناسك كلها .

قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا عبد الملك عن عطاء ، عن ابن عباس ، أنه قال ، في قوله : ( ثم ليقضوا تفثهم ) قال : التفث : حلق الرأس ، وأخذ من الشاربين ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وقص الأظفار ، والأخذ من العارضين ، ورمي الجمار ، والموقف بعرفة والمزدلفة .

حدثنا حميد ، قال : ثنا بشر بن المفضل ، قال : ثنا خالد ، عن عكرمة ، قال : التفث : الشعر والظفر .

حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن خالد ، عن عكرمة مثله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني أبو صخر ، عن محمد بن كعب القرظي ، أنه كان يقول في هذه الآية : ( ثم ليقضوا تفثهم ) رمي الجمار ، وذبح الذبيحة ، وأخذ من الشاربين واللحية والأظفار ، والطواف [ ص: 613 ] بالبيت وبالصفا والمروة .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد أنه قال في هذه الآية : ( ثم ليقضوا تفثهم ) قال : هو حلق الرأس ، وذكر أشياء من الحج قال شعبة : لا أحفظها .

قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن الحكم عن مجاهد مثله .

حدثني محمد بن عمرو; قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( ثم ليقضوا تفثهم ) قال : حلق الرأس ، وحلق العانة ، وقصر الأظفار ، وقص الشارب ، ورمي الجمار ، وقص اللحية .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد مثله . إلا أنه لم يقل في حديثه : وقص اللحية .

حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي ، قال : ثنا المحاربي ، قال : سمعت رجلا يسأل ابن جريج ، عن قوله : ( ثم ليقضوا تفثهم ) قال : الأخذ من اللحية ، ومن الشارب ، وتقليم الأظفار ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، ورمي الجمار .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا منصور ، عن الحسن ، وأخبرنا جويبر ، عن الضحاك أنهما قالا : حلق الرأس .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( ثم ليقضوا تفثهم ) يعني حلق الرأس .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، قال : التفث : حلق الرأس ، وتقليم الظفر .

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( ثم ليقضوا تفثهم ) يقول : نسكهم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( ثم ليقضوا تفثهم ) قال : التفث : حرمهم .

حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( ثم ليقضوا تفثهم ) قال : يعني بالتفث وضع إحرامهم من حلق الرأس ، ولبس الثياب ، وقص الأظفار ونحو ذلك . [ ص: 614 ] حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، قال : التفث : حلق الشعر ، وقص الأظفار والأخذ من الشارب ، وحلق العانة ، وأمر الحج كله .

وقوله : ( وليوفوا نذورهم ) يقول : وليوفوا الله بما نذروا من هدي وبدنة وغير ذلك .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( وليوفوا نذورهم ) نحر ما نذروا من البدن .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى - وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وليوفوا نذورهم ) نذر الحج والهدي ، وما نذر الإنسان من شيء يكون في الحج .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ( وليوفوا نذورهم ) قال : نذر الحج والهدي ، وما نذر الإنسان على نفسه من شيء يكون في الحج .

وقوله : ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) يقول : وليطوفوا ببيت الله الحرام .

واختلف أهل التأويل في معنى قوله : ( العتيق ) في هذا الموضع ، فقال بعضهم : قيل ذلك لبيت الله الحرام ، لأن الله أعتقه من الجبابرة أن يصلوا إلى تخريبه وهدمه .

ذكر من قال ذلك : - حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، أن ابن الزبير ، قال : إنما سمي البيت العتيق ، لأن الله أعتقه من الجبابرة .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن ابن الزبير مثله .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، قال : إنما سمي العتيق ، لأنه أعتق من الجبابرة . [ ص: 615 ] قال : ثنا سفيان ، قال : ثنا أبو هلال ، عن قتادة : ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) قال : أعتق من الجبابرة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( البيت العتيق ) قال : أعتقه الله من الجبابرة ، يعني الكعبة .

وقال آخرون : قيل له عتيق ، لأنه لم يملكه أحد من الناس .

ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن عبيد ، عن مجاهد ، قال : إنما سمي البيت العتيق لأنه ليس لأحد فيه شيء .

وقال آخرون : سمي بذلك لقدمه .

ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( البيت العتيق ) قال : العتيق : القديم ، لأنه قديم ، كما يقال : السيف العتيق ، لأنه أول بيت وضع للناس بناه آدم ، وهو أول من بناه ، ثم بوأ الله موضعه لإبراهيم بعد الغرق ، فبناه إبراهيم وإسماعيل .

قال أبو جعفر : ولكل هذه الأقوال التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه في قوله : ( البيت العتيق ) وجه صحيح ، غير أن الذي قاله ابن زيد أغلب معانيه عليه في الظاهر . غير أن الذي روي عن ابن الزبير أولى بالصحة ، إن كان ما : حدثني به محمد بن سهل البخاري ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : أخبرني الليث ، عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر ، عن الزهري ، عن محمد بن عروة ، عن عبد الله بن الزبير ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما سمي البيت العتيق لأن الله أعتقه من الجبابرة فلم يظهر عليه قط صحيحا .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال الزهري : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنما سمي البيت العتق لأن الله أعتقه " ثم ذكر مثله .

وعنى بالطواف الذي أمر جل ثناؤه حاج بيته العتيق به في هذه الآية طواف الإفاضة الذي يطاف به بعد التعريف ، إما يوم النحر وإما بعده ، لا خلاف [ ص: 616 ] بين أهل التأويل في ذلك .

ذكر الرواية عن بعض من قال ذلك : حدثنا عمرو بن سعيد القرشي ، قال : ثنا الأنصاري ، عن أشعث ، عن الحسن : ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) قال : طواف الزيارة .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا خالد قال : ثنا الأشعث ، أن الحسن قال في قوله : ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) قال : الطواف الواجب .

حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله : ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) يعني زيارة البيت .

حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، عن حجاج وعبد الملك ، عن عطاء ، في قوله : ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) قال : طواف يوم النحر .

حدثني أبو عبد الرحمن البرقي ، قال : ثنا عمرو بن أبي سلمة ، قال : سألت زهيرا عن قول الله : ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) قال : طواف الوداع .

واختلف القراء في قراءة هذه الحروف ، فقرأ ذلك عامة قراء الكوفة " ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا " بتسكين اللام في كل ذلك طلب التخفيف ، كما فعلوا في هو إذا كانت قبله واو ، فقالوا " وهو عليم بذات الصدور " فسكنوا الهاء ، وكذلك يفعلون في لام الأمر إذا كان قبلها حرف من حروف النسق كالواو والفاء وثم . وكذلك قرأت عامة قراء أهل البصرة ، غير أن أبا عمرو بن العلاء كان يكسر اللام من قوله : ( ثم ليقضوا ) خاصة من أجل أن الوقوف على ثم دون " ليقضوا " حسن ، وغير جائز الوقوف على الواو والفاء ، وهذا الذي اعتل به أبو عمرو لقراءته علة حسنة من جهة القياس ، غير أن أكثر القراء على تسكينها .

وأولى الأقوال بالصواب في ذلك عندي ، أن التسكين في لام " ليقضوا " والكسر قراءتان مشهورتان ، ولغتان سائرتان ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب . غير أن الكسر فيها خاصة أقيس ، لما ذكرنا لأبي عمرو من العلة ، لأن من قرأ " وهو عليم بذات الصدور " فهو بتسكين الهاء مع الواو والفاء ، ويحركها في قوله : ( ثم هو يوم القيامة من المحضرين ) فذلك الواجب عليه أن يفعل [ ص: 617 ] في قوله : " ثم ليقضوا تفثهم " فيحرك اللام إلى الكسر مع " ثم " وإن سكنها في قوله : ( وليوفوا نذورهم ) . وقد ذكر عن أبي عبد الرحمن السلمي والحسن البصري تحريكها مع " ثم " والواو ، وهي لغة مشهورة ، غير أن أكثر القراء مع الواو والفاء على تسكينها ، وهي أشهر اللغتين في العرب وأفصحها ، فالقراءة بها أعجب إلي من كسرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية