القول في 
تأويل قوله تعالى : ( ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم  ( 55 ) ) 
يقول تعالى ذكره : ولا يزال الذين كفروا بالله في شك . 
ثم اختلف أهل التأويل في الهاء التي في قوله : " منه " من ذكر ما هي ؟ فقال بعضهم : هي من ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=3502069تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى  . 
ذكر من قال ذلك : حدثنا 
ابن بشار  ، قال : ثنا 
محمد  ، قال : ثنا 
شعبة  ، عن 
أبي بشر  ، عن 
سعيد بن جبير   : ( 
ولا يزال الذين كفروا في مرية منه  )  
[ ص: 671 ] من قوله : تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن ترتجى . 
حدثني 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  ، قال : قال 
ابن زيد  في قوله : ( 
ولا يزال الذين كفروا في مرية منه  ) قال : مما جاء به إبليس لا يخرج من قلوبهم زادهم ضلالة  . 
وقال آخرون : بل هي من ذكر سجود النبي صلى الله عليه وسلم في النجم . 
ذكر من قال ذلك : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى  ، قال : ثنا 
عبد الصمد  ، قال : ثنا 
شعبة  ، قال : ثنا 
أبو بشر  ، عن 
سعيد بن جبير   : ( 
ولا يزال الذين كفروا في مرية منه  ) قال : في مرية من سجودك . 
وقال آخرون : بل هي من ذكر القرآن . 
ذكر من قال ذلك : - حدثنا 
القاسم  ، قال : ثنا 
الحسين  ، قال : ثني 
حجاج  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج   : ( 
ولا يزال الذين كفروا في مرية منه  ) قال : من القرآن . 
وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : هي كناية من ذكر القرآن الذي أحكم الله آياته وذلك أن ذلك من ذكر قوله : ( 
وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك  ) أقرب منه من ذكر قوله : ( 
فينسخ الله ما يلقي الشيطان  ) والهاء من قوله " أنه " من ذكر القرآن ، فإلحاق الهاء في قوله : ( 
في مرية منه  ) بالهاء من قوله : ( 
أنه الحق من ربك  ) أولى من إلحاقها بما التي في قوله ( 
ما يلقي الشيطان  ) مع بعد ما بينهما . 
وقوله : ( 
حتى تأتيهم الساعة  ) يقول : لا يزال هؤلاء الكفار في شك من أمر هذا القرآن إلى أن تأتيهم الساعة ( بغتة ) وهي ساعة حشر الناس لموقف الحساب بغتة ، يقول : فجأة . 
واختلف أهل التأويل في هذا اليوم أي يوم هو ؟ فقال بعضهم : هو يوم القيامة . 
ذكر من قال ذلك : حدثني 
يعقوب  قال : ثنا 
هشيم  ، قال : ثنا شيخ من 
أهل خراسان  من 
الأزد  يكنى 
أبا ساسان  ، قال : سألت 
الضحاك  ، عن قوله : ( 
عذاب يوم عقيم  ) قال : عذاب يوم لا ليلة بعده .  
[ ص: 672 ] حدثنا 
القاسم  ، قال : ثنا 
الحسين  ، قال : ثنا 
أبو تميلة  ، عن 
أبي حمزة  ، عن 
جابر  ، عن 
عكرمة  أن يوم القيامة لا ليلة له . 
وقال آخرون : بل عنى به يوم 
بدر   . وقالوا : إنما قيل له يوم عقيم ، أنهم لم ينظروا إلى الليل ، فكان لهم عقيما . 
ذكر من قال ذلك : حدثني 
يعقوب  قال : ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية  عن 
ليث  ، عن 
مجاهد  ، قال : ( 
عذاب يوم عقيم  ) يوم 
بدر   . 
حدثنا 
القاسم  ، قال : ثنا 
الحسين  ، قال : ثني 
حجاج  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج   : ( 
أو يأتيهم عذاب يوم عقيم  ) قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج   : يوم ليس فيه ليلة ، لم يناظروا إلى الليل . قال 
مجاهد   : عذاب يوم عظيم . 
قال : ثنا 
الحسين  ، قال : ثنا 
أبو تميلة  ، عن 
أبي حمزة  ، عن 
جابر  ، قال : قال 
مجاهد   : يوم 
بدر   . 
حدثني 
أبو السائب  ، قال : ثنا 
أبو إدريس  ، قال : أخبرنا 
الأعمش  ، عن رجل ، عن 
سعيد بن جبير  ، في قوله : ( 
عذاب يوم عقيم  ) قال : يوم 
بدر   . 
حدثنا 
ابن عبد الأعلى  ، قال : ثنا 
ابن ثور  ، عن 
معمر  ، عن 
قتادة  قوله : ( 
عذاب يوم عقيم  ) قال : هو يوم 
بدر .  ذكره عن 
أبي بن كعب   . 
حدثنا 
الحسن بن يحيى  ، قال : أخبرنا 
عبد الرزاق  ، قال : أخبرنا 
معمر  ، عن 
قتادة  ، في قوله : ( 
عذاب يوم عقيم  ) قال : هو يوم 
بدر   . عن 
أبي بن كعب   . 
وهذا القول الثاني أولى بتأويل الآية ، لأنه لا وجه لأن يقال : لا يزالون في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة ، أو تأتيهم الساعة; وذلك أن الساعة هي يوم القيامة ، فإن كان اليوم العقيم أيضا هو يوم القيامة فإنما معناه ما قلنا من تكرير ذكر الساعة مرتين باختلاف الألفاظ ، وذلك ما لا معنى له . فإذ كان ذلك كذلك ، فأولى التأويلين به أصحهما معنى وأشبههما بالمعروف في الخطاب ، وهو ما ذكرنا في معناه . 
فتأويل الكلام إذن : ولا يزال الذين كفروا في مرية منه ، حتى تأتيهم الساعة بغتة فيصيروا إلى العذاب العقيم ، أو يأتيهم عذاب يوم عقيم له ، فلا  
[ ص: 673 ] ينظرون فيه إلى الليل ولا يؤخروا فيه إلى المساء ، لكنهم يقتلون قبل المساء .