صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون ( 99 ) لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ( 100 ) )

يقول تعالى ذكره : حتى إذا جاء أحد هؤلاء المشركين الموت ، وعاين نزول أمر الله به ، قال : - لعظيم ما يعاين مما يقدم عليه من عذاب الله تندما على ما فات ، وتلهفا على ما فرط فيه قبل ذلك ، من طاعة الله ومسألته للإقالة - : ( رب ارجعون ) إلى الدنيا فردوني إليها ، ( لعلي أعمل صالحا ) يقول : كي أعمل صالحا فيما تركت قبل اليوم من العمل فضيعته ، وفرطت فيه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي معشر ، قال : كان محمد بن كعب القرظي يقرأ علينا : ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون ) قال محمد : إلى أي شيء يريد؟ إلى أي شيء يرغب؟ أجمع المال ، أو غرس الغراس ، أو بني بنيان ، أو شق أنهار؟ : ( لعلي أعمل صالحا فيما تركت ) يقول الجبار : كلا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( رب ارجعون ) قال : هذه في الحياة الدنيا ، ألا تراه يقول : ( حتى إذا جاء أحدهم الموت ) قال : حين تنقطع الدنيا ، ويعاين الآخرة ، قبل أن يذوق الموت .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة : " إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا : نرجعك إلى الدنيا؟ فيقول : إلى دار الهموم والأحزان؟ فيقول : بل قدماني إلى الله ، وأما الكافر فيقال : نرجعك؟ فيقول : ( لعلي أعمل صالحا فيما تركت ) . " الآية .

[ ص: 70 ] حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون ) يعني أهل الشرك ، وقيل : رب ارجعون ، فابتدأ الكلام بخطاب الله تعالى ، ثم قيل : ارجعون فصار إلى خطاب الجماعة ، والله تعالى ذكره واحد . وإنما فعل ذلك كذلك ; لأن مسألة القوم الرد إلى الدنيا إنما كانت منهم للملائكة الذين يقبضون روحهم ، كما ذكر ابن جريج أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله . وإنما ابتدئ الكلام بخطاب الله جل ثناؤه ، لأنهم استغاثوا به ، ثم رجعوا إلى مسألة الملائكة الرجوع والرد إلى الدنيا .

وكان بعض نحويي الكوفة يقول : قيل ذلك كذلك ; لأنه مما جرى على وصف الله نفسه من قوله : ( وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ) في غير مكان من القرآن ، فجرى هذا على ذلك .

قوله : ( كلا ) يقول تعالى ذكره : ليس الأمر على ما قال هذا المشرك ، لن يرجع إلى الدنيا ، ولن يعاد إليها ( كلا إنها كلمة هو قائلها ) يقول : هذه الكلمة ، وهو قوله : ( رب ارجعون ) كلمة هو قائلها يقول : هذا المشرك هو قائلها .

كما حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( كلا إنها كلمة هو قائلها ) لا بد له أن يقولها يقول ( ومن ورائهم برزخ ) يقول : ومن أمامهم حاجز يحجز بينهم وبين الرجوع ، يعني : إلى يوم يبعثون من قبورهم ، وذلك يوم القيامة ، والبرزخ والحاجز والمهلة متقاربات في المعنى .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) يقول : أجل إلى حين .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله : ( ومن ورائهم برزخ ) قال : ما بعد الموت .

حدثني أبو حميد الحمصي أحمد بن المغيرة ، قال : ثنا أبو حيوة شريح بن يزيد ، قال : ثنا أرطأة ، عن أبي يوسف قال : خرجت مع أبي أمامة في جنازة ، فلما وضعت في لحدها ، قال أبو أمامة : هذا برزخ إلى يوم يبعثون .

[ ص: 71 ] حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا مطر ، عن مجاهد ، قوله : ( ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) قال : ما بين الموت إلى البعث .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : ( برزخ إلى يوم يبعثون ) قال : حجاب بين الميت والرجوع إلى الدنيا .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) قال : برزخ بقية الدنيا .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) قال : البرزخ ما بين الموت إلى البعث .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول : البرزخ : ما بين الدنيا والآخرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية