صفحة جزء
[ ص: 82 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين ( 112 ) قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين ( 113 ) )

اختلفت القراء في قراءة قوله : ( كم لبثتم في الأرض عدد سنين ) وفي قوله : ( لبثنا يوما أو بعض يوم ) فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة على وجه الخبر : ( قال كم لبثتم ) ، وكذلك قوله : ( قال إن لبثتم ) . ووجه هؤلاء تأويل الكلام إلى أن الله قال لهؤلاء الأشقياء من أهل النار وهم في النار : ( كم لبثتم في الأرض عدد سنين ) ؟ وأنهم أجابوا الله فقالوا : ( لبثنا يوما أو بعض يوم ) ، فنسي الأشقياء ; لعظيم ما هم فيه من البلاء والعذاب مدة مكثهم التي كانت في الدنيا ، وقصر عندهم أمد مكثهم الذي كان فيها ; لما حل بهم من نقمة الله ، حتى حسبوا أنهم لم يكونوا مكثوا فيها إلا يوما أو بعض يوم . ولعل بعضهم كان قد مكث فيها الزمان الطويل ، والسنين الكثيرة .

وقرأ ذلك عامة قراء أهل الكوفة على وجه الأمر لهم بالقول ، كأنه قال لهم : قولوا كم لبثتم في الأرض؟ وأخرج الكلام مخرج الأمر للواحد ، والمعني به الجماعة ، إذ كان مفهوما معناه ، وإنما اختار هذه القراءة من اختارها من أهل الكوفة ; لأن ذلك في مصاحفهم : " قل " بغير ألف ، وفي غير مصاحفهم بالألف .

وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأ ذلك : ( قال كم لبثتم ) على وجه الخبر ، لأن وجه الكلام لو كان ذلك أمرا ، أن يكون قولوا على وجه الخطاب للجمع ; لأن الخطاب فيما قبل ذلك وبعده ، جرى لجماعة أهل النار ، فالذي هو أولى أن يكون كذلك قوله قولوا لو كان الكلام جاء على وجه الأمر ، وإن كان الآخر جائزا ، أعني التوحيد ، لما بينت من العلة لقارئ ذلك كذلك ، وجاء الكلام بالتوحيد في قراءة جميع القراء ، كان معلوما أن قراءة ذلك على وجه الخبر عن الواحد أشبه ، إذ كان ذلك هو الفصيح المعروف من كلام العرب ، فإذا كان ذلك كذلك ، فتأويل الكلام : قال الله كم لبثتم في الدنيا من عدد سنين؟ قالوا مجيبين له : لبثنا فيها يوما أو بعض يوم ، فاسأل العادين ، لأنا لا ندري ، قد نسينا ذلك .

واختلف أهل التأويل في المعني بالعادين ، فقال بعضهم : هم الملائكة الذين يحفظون أعمال بني آدم ، ويحصون عليهم ساعاتهم .

[ ص: 83 ] ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( فاسأل العادين ) قال : الملائكة .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

وقال آخرون : بل هم الحساب .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( فاسأل العادين ) قال : فاسأل الحساب .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : ( فاسأل العادين ) قال : فاسأل أهل الحساب .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، أن يقال كما قال الله جل ثناؤه : ( فاسأل العادين ) وهم الذين يعدون عدد الشهور والسنين وغير ذلك ، وجائز أن يكونوا الملائكة ، وجائز أن يكونوا بني آدم وغيرهم ، ولا حجة بأي ذلك من أي ثبتت صحتها ، فغير جائز توجيه معنى ذلك إلى بعض العادين دون بعض .

التالي السابق


الخدمات العلمية