1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة النور
  4. القول في تأويل قوله تعالى " إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ( 15 ) )

يقول تعالى ذكره : لمسكم فيما أفضتم فيه من شأن عائشة عذاب عظيم ، حين تلقونه بألسنتكم ، و " إذ " من صلة قوله " لمسكم " ويعني بقوله : ( تلقونه ) تتلقون الإفك الذي جاءت به العصبة من أهل الإفك ، فتقبلونه ، ويرويه بعضكم عن بعض يقال : تلقيت هذا الكلام عن فلان ، بمعنى أخذته منه ، وقيل ذلك ; لأن الرجل منهم فيما ذكر يلقى آخر ، فيقول : أوما بلغك كذا وكذا عن عائشة؟ ليشيع عليها بذلك [ ص: 131 ] الفاحشة . وذكر أنها في قراءة أبي : " إذ تتلقونه " بتاءين ، وعليها قراءة الأمصار ، غير أنهم قرءوها : ( تلقونه ) بتاء واحدة ; لأنها كذلك في مصاحفهم .

وقد روي عن عائشة في ذلك ، ما حدثني به محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : ثنا خالد بن نزار ، عن نافع ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت تقرأ هذه الآية : " إذ تلقونه بألسنتكم " تقول : إنما هو ولق الكذب ، وتقول : إنما كانوا يلقون الكذب . قال ابن أبي مليكة : وهي أعلم بما فيها أنزلت ، قال نافع : وسمعت بعض العرب يقول : الليق : الكذب .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا نافع بن عمر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الجمحي ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، أنها كانت تقرأ : " إذ تلقونه بألسنتكم " وهي أعلم بذلك وفيها أنزلت ، قال ابن أبي مليكة : هو من ولق الكذب .

قال أبو جعفر : وكأن عائشة وجهت معنى ذلك بقراءتها " تلقونه " بكسر اللام وتخفيف القاف ، إلى : إذ تستمرون في كذبكم عليها ، وإفككم بألسنتكم ، كما يقال : ولق فلان في السير فهو يلق : إذا استمر فيه ; وكما قال الراجز :


إن الجليد زلق وزملق جاءت به عنس من الشأم تلق




مجوع البطن كلابي الخلق

وقد روي عن العرب في الولق : الكذب : الألق ، والإلق : بفتح الألف وكسرها ، ويقال في فعلت منه : ألقت ، فأنا ألق ، وقال بعضهم :


من لي بالمزرر اليلامق     صاحب أدهان وألق وآلق



[ ص: 132 ] والقراءة التي لا أستجيز غيرها : ( إذ تلقونه ) على ما ذكرت من قراءة الأمصار ، لإجماع الحجة من القراء عليها .

وبنحو الذي قلنا من التأويل في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ( إذ تلقونه بألسنتكم ) قال : تروونه بعضكم عن بعض .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( إذ تلقونه ) قال : تروونه بعضكم عن بعض .

قوله : ( وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم ) يقول تعالى ذكره : وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم من الأمر الذي تروونه ، فتقولون : سمعنا أن عائشة فعلت كذا وكذا ، ولا تعلمون حقيقة ذلك ولا صحته ، ( وتحسبونه هينا ) وتظنون أن قولكم ذلك وروايتكموه بألسنتكم ، وتلقيكموه بعضكم عن بعض هين سهل ، لا إثم عليكم فيه ولا حرج ، ( وهو عند الله عظيم ) يقول : وتلقيكم ذلك كذلك وقولكموه بأفواهكم ، عند الله عظيم من الأمر ; لأنكم كنتم تؤذون به رسول الله صلى الله عليه وسلم وحليلته .

التالي السابق


الخدمات العلمية