صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ( 31 ) )

يقول تعالى ذكره : والذين يتبعونكم لطعام يأكلونه عندكم ، ممن لا أرب له في النساء من الرجال ، ولا حاجة به إليهن ، ولا يريدهن .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال ) قال : كان الرجل يتبع الرجل في الزمان الأول لا يغار عليه ولا ترهب المرأة أن تضع خمارها عنده ، وهو الأحمق الذي لا حاجة له في النساء .

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال ) فهذا الرجل يتبع القوم ، وهو مغفل في عقله ، لا يكترث للنساء ، ولا يشتهيهن ، فالزينة التي تبديها لهؤلاء : قرطاها وقلادتها وسواراها ، وأما خلخالاها ومعضداها ونحرها وشعرها ، فإنها لا تبديه إلا لزوجها .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( أو التابعين ) قال : هو التابع يتبعك يصيب من طعامك .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا إسماعيل بن علية ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال ) قال : الذي يريد الطعام ، [ ص: 162 ] ولا يريد النساء .

قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال ) الذين لا يهمهم إلا بطونهم ، ولا يخافون على النساء .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا إسماعيل بن موسى السدي ، قال : ثنا شريك ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : ( غير أولي الإربة ) قال : الأبله .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : سمعت ليثا ، عن مجاهد ، قوله : ( غير أولي الإربة ) قال : هو الأبله ، الذي لا يعرف شيئا من النساء .

حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( غير أولي الإربة من الرجال ) الذي لا أرب له بالنساء ، مثل فلان .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن عطية ، قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق عمن حدثه ، عن ابن عباس : ( غير أولي الإربة ) قال : هو الذي لا تستحيي منه النساء .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن الشعبي : ( غير أولي الإربة ) قال : من تبع الرجل وحشمه ، الذي لم يبلغ إربه أن يطلع على عورة النساء .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، عن المغيرة ، عن الشعبي ( غير أولي الإربة ) قال : الذي لا أرب له في النساء .

قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، قال : المعتوه .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري في قوله : ( أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال ) قال : هو الأحمق ، الذي لا همة له بالنساء ولا أرب .

وبه عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، في قوله : ( غير أولي الإربة من الرجال ) يقول : الأحمق ، الذي ليست له همة في النساء .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : [ ص: 163 ] قال ابن عباس : الذي لا حاجة له في النساء .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال : ابن زيد ، في قوله : ( أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال ) قال : هو الذي يتبع القوم ، حتى كأنه كان منهم ونشأ فيهم ، وليس يتبعهم لإربة نسائهم ، وليس له في نسائهم إربة . وإنما يتبعهم لإرفاقهم إياه .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : كان رجل يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث ، فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة ، فدخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة ، فقال : إنها إذا أقبلت أقبلت بأربع ، وإذا أدبرت أدبرت بثمان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا أرى هذا يعلم ما هاهنا ، لا يدخلن هذا عليكم " فحجبوه .

حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري ، قال : ثنا حفص بن عمر العدني ، قال : ثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة في قوله : ( أو التابعين غير أولي الإربة ) قال : هو المخنث الذي لا يقوم زبه .

واختلف القراء فى قوله : ( غير أولي الإربة ) فقرأ ذلك بعض أهل الشام ، وبعض أهل المدينة والكوفة " غير أولي الإربة " بنصب " غير " ، ولنصب " غير " هاهنا وجهان : أحدهما على القطع من التابعين ، لأن التابعين معرفة و " غير " نكرة ، والآخر على الاستثناء ، وتوجيه " غير " إلى معنى " إلا " ، فكأنه قيل : إلا . وقرأ غير من ذكرت بخفض " غير " على أنها نعت للتابعين ، وجاز نعت " التابعين " ب " غير " و " التابعون " معرفة وغير نكرة ، لأن " التابعين " معرفة غير مؤقتة . فتأويل الكلام على هذه القراءة : أو الذين هذه صفتهم .

والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان متقاربتا المعنى مستفيضة القراءة بهما في الأمصار ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، غير أن الخفض في " غير " أقوى في العربية ، فالقراءة به أعجب إلي والإربة : الفعلة من الأرب ، مثل الجلسة من الجلوس ، والمشية من المشي ، وهي الحاجة ، يقال : لا أرب لي فيك : لا حاجة لي فيك ، وكذا أربت لكذا وكذا إذا احتجت إليه ، فأنا آرب له أربا . فأما الأربة بضم الألف : فالعقدة .

وقوله : ( أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ) يقول تعالى ذكره : أو الطفل الذين لم يكشفوا عن عورات النساء بجماعهن فيظهروا عليهن لصغرهم .

[ ص: 164 ] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( على عورات النساء ) قال : لم يدروا ما ثم ، من الصغر قبل الحلم .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

وقوله : ( ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ) يقول تعالى ذكره : ولا يجعلن في أرجلهن من الحلي ما إذا مشين أو حركنهن ، علم الناس الذين مشين بينهم ما يخفين من ذلك .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا المعتمر ، عن أبيه ، قال : زعم حضرمي أن امرأة اتخذت برتين من فضة ، واتخذت جزعا ، فمرت على قوم ، فضربت برجلها ، فوقع الخلخال على الجزع ، فصوت ، فأنزل الله ( ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ) .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن السدي ، عن أبي مالك ( ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ) قال : كان في أرجلهم خرز ، فكن إذا مررن بالمجالس حركن أرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن .

حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : ( ولا يضربن بأرجلهن ) فهو أن تقرع الخلخال بالآخر عند الرجال ، ويكون في رجليها خلاخل ، فتحركهن عند الرجال ، فنهى الله سبحانه وتعالى عن ذلك ; لأنه من عمل الشيطان .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : ( ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ) قال : هو الخلخال ، لا تضرب امرأة [ ص: 165 ] برجلها ليسمع صوت خلخالها .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ) قال : الأجراس من حليهن ، يجعلنها في أرجلهن في مكان الخلاخل ، فنهاهن الله أن يضربن بأرجلهن لتسمع تلك الأجراس .

وقوله : ( وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون ) يقول تعالى ذكره : وارجعوا أيها المؤمنون إلى طاعة الله فيما أمركم ونهاكم من غض البصر ، وحفظ الفرج ، وترك دخول بيوت غير بيوتكم ، من غير استئذان ولا تسليم ، وغير ذلك من أمره ونهيه ; ( لعلكم تفلحون ) يقول : لتفلحوا وتدركوا طلباتكم لديه ، إذا أنتم أطعتموه فيما أمركم ونهاكم .

التالي السابق


الخدمات العلمية