صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون ( 41 ) ولله ملك السماوات والأرض وإلى الله المصير ( 42 ) )

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ألم تنظر يا محمد بعين قلبك ، فتعلم أن الله يصلي له من في السماوات والأرض من ملك وإنس وجن ( والطير صافات ) في الهواء أيضا تسبح له ( كل قد علم صلاته وتسبيحه ) والتسبيح عندك صلاة ، فيقال : قيل : إن الصلاة لبني آدم ، والتسبيح لغيرهم من الخلق ، ولذلك فصل فيما بين ذلك .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

[ ص: 200 ] ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثني عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه ) قال : والصلاة للإنسان ، والتسبيح لما سوى ذلك من الخلق .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : ( ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه ) قال : صلاته للناس ، وتسبيحه عامة لكل شيء .

ويتوجه قوله : ( كل قد علم صلاته وتسبيحه ) لوجوه : أحدها أن تكون الهاء التي في قوله : ( صلاته وتسبيحه ) من ذكر كل ، فيكون تأويل الكلام : كل مصل ومسبح منهم قد علم الله صلاته وتسبيحه ، ويكون الكل حينئذ مرتفعا بالعائد من ذكره في قوله : ( كل قد علم صلاته وتسبيحه ) وهو الهاء التي في الصلاة .

والوجه الآخر : أن تكون الهاء في الصلاة والتسبيح أيضا للكل ، ويكون الكل مرتفعا بالعائد من ذكره عليه في ( علم ) ويكون ( علم ) فعلا للكل ، فيكون تأويل الكلام حينئذ : قد علم كل مصل ومسبح منهم صلاة نفسه وتسبيحه ، الذي كلفه وألزمه .

والوجه الآخر : أن تكون الهاء في الصلاة والتسبيح من ذكر الله ، والعلم للكل ، فيكون تأويل الكلام حينئذ : قد علم كل مسبح ومصل صلاة الله التي كلفه إياها ، وتسبيحه ، وأظهر هذه المعاني الثلاثة على هذا الكلام ، المعنى الأول ، وهو أن يكون المعنى : كل مصل منهم ومسبح قد علم الله صلاته وتسبيحه .

وقوله : ( والله عليم بما يفعلون ) يقول تعالى ذكره : والله ذو علم بما يفعل كل مصل ومسبح منهم ، لا يخفى عليه شيء من أفعالهم ، طاعتها ومعصيتها ، محيط بذلك كله ، وهو مجازيهم على ذلك كله .

وقوله : ( ولله ملك السماوات والأرض ) يقول جل ثناؤه : ولله سلطان السماوات والأرض وملكها دون كل من هو دونه من سلطان وملك ، فإياه فارهبوا أيها الناس ، وإليه فارغبوا لا إلى غيره ، فإن بيده خزائن السماوات والأرض ، لا يخشى بعطاياكم منها فقرا ( وإلى الله المصير ) يقول : وأنتم إليه بعد وفاتكم ، مصيركم ومعادكم ، فيوفيكم [ ص: 201 ] أجور أعمالكم التي عملتموها في الدنيا ، فأحسنوا عبادته ، واجتهدوا في طاعته ، وقدموا لأنفسكم الصالحات من الأعمال .

التالي السابق


الخدمات العلمية