1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة الفرقان
  4. القول في تأويل قوله تعالى " وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا ( 47 ) )

يقول تعالى ذكره : الذي مد الظل ثم جعل الشمس عليه دليلا هو الذي جعل لكم أيها الناس الليل لباسا . وإنما قال جل ثناؤه ( جعل لكم الليل لباسا ) لأنه جعله لخلقه جنة يجتنون فيها ويسكنون ، فصار لهم سترا يستترون به ، كما يستترون بالثياب التي يكسونها . وقوله : ( والنوم سباتا ) يقول : وجعل لكم النوم راحة تستريح به أبدانكم ، وتهدأ به جوارحكم . وقوله : ( وجعل النهار نشورا ) يقول تعالى ذكره : وجعل النهار يقظة وحياة من قولهم : نشر الميت ، كما قال الأعشى :


حتى يقول الناس مما رأوا يا عجبا للميت الناشر



ومنه قول الله : ( ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا )

وكان مجاهد يقول في تأويل ذلك ما حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( وجعل النهار نشورا ) قال : ينشر فيه .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

وإنما اخترنا القول الذي اخترنا في تأويل ذلك ، أنه عقيب قوله : ( والنوم سباتا ) في الليل . فإذ كان ذلك كذلك ، فوصف النهار بأن فيه اليقظة والنشور من النوم أشبه إذ كان النوم أخا الموت . والذي قاله مجاهد غير بعيد من الصواب ; لأن الله أخبر أنه جعل النهار معاشا ، وفيه الانتشار للمعاش ، ولكن النشور مصدر من قول القائل : نشر ، [ ص: 279 ] فهو بالنشر من الموت والنوم أشبه ، كما صحت الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا أصبح وقام من نومه : " الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا ، وإليه النشور " .

التالي السابق


الخدمات العلمية