القول في 
تأويل قوله تعالى : ( بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن  ) 
قال 
أبو جعفر   : يعني بقوله - جل ثناؤه : ( بلى من أسلم ) ، أنه ليس كما قال الزاعمون ( 
لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى  ) ، ولكن من أسلم وجهه لله وهو محسن ، فهو الذي يدخلها وينعم فيها ، كما : - 
1809 - حدثني 
موسى  قال : حدثنا 
عمرو  قال : حدثنا 
أسباط  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي  قال ، أخبرهم أن من يدخل الجنة هو من أسلم وجهه لله . الآية . 
وقد بينا معنى ( بلى ) فيما مضى قبل . 
وأما قوله : ( من أسلم وجهه لله ) ، فإنه يعني ب "إسلام الوجه" : التذلل لطاعته والإذعان لأمره ، وأصل "الإسلام" : الاستسلام؛ لأنه "من استسلمت لأمره" ، وهو الخضوع لأمره . وإنما سمي "المسلم" مسلما بخضوع جوارحه لطاعة ربه . كما : - 
1810 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
إسحاق  قال : حدثنا 
ابن أبي جعفر  ، عن أبيه ، عن 
الربيع   : ( 
بلى من أسلم وجهه  ) ، يقول : أخلص لله .  
[ ص: 511 ] وكما قال 
زيد بن عمرو بن نفيل   : 
وأسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالا 
يعني بذلك : استسلمت لطاعة من استسلم لطاعته المزن وانقادت له . 
وخص الله - جل ثناؤه - بالخبر عمن أخبر عنه بقوله : ( 
بلى من أسلم وجهه لله  ) ، بإسلام وجهه له دون سائر جوارحه؛ لأن أكرم أعضاء ابن 
آدم  وجوارحه وجهه ، وهو أعظمها عليه حرمة وحقا ، فإذا خضع لشيء وجهه الذي هو أكرم أجزاء جسده عليه فغيره من أجزاء جسده أحرى أن يكون أخضع له؛ ولذلك تذكر العرب في منطقها الخبر عن الشيء ، فتضيفه إلى "وجهه" وهي تعني بذلك نفس الشيء وعينه ، كقول 
الأعشى   : 
أؤول الحكم على وجهه     ليس قضائي بالهوى الجائر 
يعني بقوله : "على وجهه" : على ما هو به من صحته وصوابه ، وكما قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=15871ذو الرمة   : 
فطاوعت همي وانجلى وجه بازل     من الأمر ، لم يترك خلاجا بزولها 
.  
[ ص: 512 ] 
يريد : وانجلى البازل من الأمر فتبين - وما أشبه ذلك ، إذ كان حسن كل شيء وقبحه في وجهه ، وكان في وصفها من الشيء وجهه بما تصفه به ، إبانة عن عين الشيء ونفسه . فكذلك معنى قوله جل ثناؤه : ( 
بلى من أسلم وجهه لله  ) ، إنما يعني : بلى من أسلم لله بدنه ، فخضع له بالطاعة جسده ، وهو محسن في إسلامه له جسده ، فله أجره عند ربه ، فاكتفى بذكر "الوجه" من ذكر"جسده" لدلالة الكلام على المعنى الذي أريد به بذكر "الوجه" . 
وأما قوله : ( وهو محسن ) ، فإنه يعني به : في حال إحسانه . وتأويل الكلام : بلى من أخلص طاعته لله وعبادته له ، محسنا في فعله ذلك .