1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة الفرقان
  4. القول في تأويل قوله تعالى " والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا ( 73 ) )

يقول تعالى ذكره : والذين إذا ذكرهم مذكر بحجج الله ، لم يكونوا صما لا يسمعون ، وعميا لا يبصرونها ولكنهم يقاظ القلوب ، فهماء العقول ، يفهمون عن الله ما يذكرهم به ، ويفهمون عنه ما ينبههم عليه ، فيوعون مواعظه آذانا سمعته ، وقلوبا وعته .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( لم يخروا عليها صما وعميانا ) فلا يسمعون ، ولا يبصرون ، ولا يفقهون حقا .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن [ ص: 317 ] مجاهد ، قوله : ( والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا ) قال : لا يفقهون ، ولا يسمعون ، ولا يبصرون .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن ابن عون ، قال : قلت للشعبي : رأيت قوما قد سجدوا ولم أعلم ما سجدوا منه أسجد ، قال : ( والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا ) .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا ) قال : هذا مثل ضربه الله لهم ، لم يدعوها إلى غيرها ، وقرأ قول الله : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ) . . . الآية .

فإن قال قائل : وما معنى قوله ( لم يخروا عليها صما وعميانا ) أو يخر الكافرون صما وعميانا إذا ذكروا بآيات الله ، فينفى عن هؤلاء ما هو صفة للكفار ؟ قيل : نعم ، الكافر إذا تليت عليه آيات الله خر عليها أصم وأعمى ، وخره عليها كذلك : إقامته على الكفر ، وذلك نظير قول العرب : سببت فلانا ، فقام يبكي ، بمعنى فظل يبكي ، ولا قيام هنالك ، ولعله أن يكون بكى قاعدا ، وكما يقال : نهيت فلانا عن كذا ، فقعد يشتمني : ومعنى ذلك : فجعل يشتمني ، وظل يشتمني ، ولا قعود هنالك ، ولكن ذلك قد جرى على ألسن العرب ، حتى قد فهموا معناه . وذكر الفراء أنه سمع العرب تقول : قعد يشتمني ، كقولك : قام يشتمني ، وأقبل يشتمني ; قال : وأنشد بعض بني عامر :


لا يقنع الجارية الخضاب ولا الوشاحان ولا الجلباب     من دون أن تلتقي الأركاب
ويقعد الأير له لعاب

[ ص: 318 ]

بمعنى : يصير ، فكذلك قوله : ( لم يخروا عليها صما وعميانا ) إنما معناه : لم يصموا عنها ، ولا عموا عنها ، ولم يصيروا على باب ربهم صما وعميانا ، كما قال الراجز :


ويقعد الهن له لعاب



بمعنى : ويصير .

التالي السابق


الخدمات العلمية