القول في 
تأويل قوله تعالى : ( وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين  ( 20 ) 
لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين  ( 21 ) ) 
يقول تعالى ذكره : ( وتفقد ) 
سليمان   ( 
الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد  ) . وكان سبب تفقده الطير وسؤاله عن الهدهد خاصة من بين الطير ، ما حدثنا 
ابن عبد الأعلى  ،  
[ ص: 441 ] قال : ثنا 
المعتمر بن سليمان  ، قال : سمعت 
عمران  عن 
أبي مجلز  ، قال : جلس 
ابن عباس  إلى 
 nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام  ، فسأله عن الهدهد : لم تفقده 
سليمان  من بين الطير فقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام   : إن سليمان نزل منزلة في مسير له ، فلم يدر ما بعد الماء ، فقال : من يعلم بعد الماء ؟ قالوا : الهدهد ، فذاك حين تفقده  . 
حدثنا 
محمد  ، قال : ثنا 
يزيد  ، قال : ثنا 
عمران بن حدير  ، عن 
أبي مجلز  ، عن 
ابن عباس   nindex.php?page=showalam&ids=106وعبد الله بن سلام  بنحوه . 
حدثني 
أبو السائب  ، قال : ثنا 
أبو معاوية  ، عن 
الأعمش  ، عن 
المنهال  ، عن 
سعيد بن جبير  ، عن 
ابن عباس  ، قال : كان 
سليمان بن داود  يوضع له ست مائة كرسي ، ثم يجيء أشراف الإنس فيجلسون مما يليه ، ثم تجيء أشراف الجن فيجلسون مما يلي الإنس قال : ثم يدعو الطير فتظلهم ، ثم يدعو الريح فتحملهم ، قال : فيسير في الغداة الواحدة مسيرة شهر ، قال : فبينا هو في مسيره إذ احتاج إلى الماء وهو في فلاة من الأرض ، قال : فدعا الهدهد ، فجاءه فنقر الأرض ، فيصيب موضع الماء ، قال : ثم تجيء الشياطين فيسلخونه كما يسلخ الإهاب ، قال : ثم يستخرجون الماء . فقال له 
نافع بن الأزرق   : قف يا وقاق ، أرأيت قولك : الهدهد يجيء فينقر الأرض ، فيصيب الماء ، كيف يبصر هذا ، ولا يبصر الفخ يجيء حتى يقع في عنقه ؟ قال : فقال له 
ابن عباس   : ويحك إن القدر إذا جاء حال دون البصر  . 
حدثنا 
ابن حميد  ، قال : ثنا 
سلمة  ، عن 
محمد بن إسحاق  ، عن بعض أهل العلم ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه  ، قال : كان 
سليمان بن داود  إذا خرج من بيته إلى مجلسه عكفت عليه الطير ، وقام له الجن والإنس حتى يجلس على سريره ، حتى إذا كان ذات غداة في بعض زمانه غدا إلى مجلسه الذي كان يجلس فيه ، فتفقد الطير . وكان فيما يزعمون يأتيه نوبا من كل صنف من الطير طائر ، فنظر فرأى من أصناف الطير كلها قد حضره إلا الهدهد ، فقال : ما لي لا أرى الهدهد . 
حدثني 
يونس  ، قال : أخبرنا 
ابن وهب  ، قال : قال 
ابن زيد   : أول ما فقد 
سليمان  الهدهد نزل بواد فسأل الإنس عن ماءه ، فقالوا : ما نعلم له ماء ، فإن يكن أحد من جنودك يعلم له ماء فالجن ، فدعا الجن فسألهم ، فقالوا : ما نعلم له ماء وإن يكن  
[ ص: 442 ] أحد من جنودك يعلم له ماء فالطير ، فدعا الطير فسألهم ، فقالوا : ما نعلم له ماء ، وإن يكن أحد من جنودك يعلمه فالهدهد ، فلم يجده ، قال : فذاك أول ما فقد الهدهد . 
حدثني 
محمد بن سعد  ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس  قوله : ( 
وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين  ) قال : تفقد الهدهد من أجل أنه كان يدله على الماء إذا ركب ، وإن 
سليمان  ركب ذات يوم فقال : أين الهدهد ليدلنا على الماء ؟ فلم يجده ; فمن أجل ذلك تفقده ، فقال 
ابن عباس   : إن الهدهد كان ينفعه الحذر ما لم يبلغه الأجل ; فلما بلغ الأجل لم ينفعه الحذر ، وحال القدر دون البصر ، فقد اختلف 
 nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام  والقائلون بقوله 
 nindex.php?page=showalam&ids=17285ووهب بن منبه  ، فقال 
عبد الله   : كان سبب تفقده الهدهد وسؤاله عنه ليستخبره عن بعد الماء في الوادي الذي نزل به في مسيره ، وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه   : كان تفقده إياه وسؤاله عنه لإخلاله بالنوبة التي كان ينوبها ، والله أعلم بأي ذلك كان إذ لم يأتنا بأي ذلك كان تنزيل ، ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح . 
فالصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله أخبر عن 
سليمان  أنه تفقد الطير ، إما للنوبة التي كانت عليها وأخلت بها ، وإما لحاجة كانت إليها عن بعد الماء . 
وقوله : ( 
فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين  ) يعني بقوله ( 
ما لي لا أرى الهدهد  ) أخطأه بصري فلا أراه وقد حضر أم هو غائب فيما غاب من سائر أجناس الخلق فلم يحضر ؟ . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
ابن حميد  ، قال : ثنا 
سلمة  ، عن 
ابن إسحاق  ، عن بعض أهل العلم ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه   : ( 
ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين  ) أخطأه بصري في الطير ، أم غاب فلم يحضر ؟ . 
وقوله : ( 
لأعذبنه عذابا شديدا  ) يقول : فلما أخبر 
سليمان  عن الهدهد أنه لم يحضر ، وأنه غائب غير شاهد ، أقسم ( 
لأعذبنه عذابا شديدا  ) وكان تعذيبه الطير فيما ذكر عنه إذا عذبها أن ينتف ريشها . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .  
[ ص: 443 ] 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
أبو كريب  قال : ثنا 
الحماني  ، عن 
الأعمش  ، عن 
المنهال  ، عن 
سعيد بن جبير  ، عن 
ابن عباس  ، في قوله : ( 
لأعذبنه عذابا شديدا  ) قال : نتف ريشه . 
حدثنا 
أبو كريب  ، قال : ثنا 
ابن عطية  ، عن 
شريك  ، عن 
عطاء  ، عن 
مجاهد  ، عن 
ابن عباس  في : ( 
لأعذبنه عذابا شديدا  ) عذابه : نتفه وتشميسه . 
حدثني 
محمد بن سعد  ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس  قوله : ( 
لأعذبنه عذابا شديدا  ) قال : نتف ريشه وتشميسه . 
حدثني 
محمد بن عمرو  ، قال : ثنا 
أبو عاصم  ، قال : ثنا 
عيسى   ; وحدثني 
الحارث  ، قال : ثنا 
الحسن  ، قال : ثنا 
ورقاء  جميعا ، عن 
ابن أبي نجيح  ، عن 
مجاهد   : ( 
لأعذبنه عذابا شديدا  ) قال : نتف ريشه كله . 
حدثنا 
القاسم  ، قال : ثنا 
الحسين  ، قال : ثني 
حجاج  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  ، عن 
مجاهد  قوله : ( 
لأعذبنه عذابا شديدا  ) قال : نتف ريش الهدهد كله ، فلا يغفو سنة . 
قال : ثنا 
الحسين  ، قال : ثنا 
أبو سفيان  ، عن 
معمر  ، عن 
قتادة  ، قال : نتف ريشه . 
حدثت عن 
الحسين  ، قال : سمعت 
أبا معاذ  يقول : أخبرنا 
عبيد  ، قال : سمعت 
الضحاك  يقول في قوله : ( 
لأعذبنه عذابا شديدا  ) يقول : نتف ريشه . 
حدثنا 
ابن حميد  ، قال : ثنا 
سلمة  ، قال : ثني 
ابن إسحاق  ، عن 
يزيد بن رومان  أنه حدث أن عذابه الذي كان يعذب به الطير نتف جناحه . 
حدثني 
يونس  ، قال : أخبرنا 
ابن وهب  ، قال : قال 
ابن زيد   : قيل لبعض أهل العلم : هذا الذبح ، فما العذاب الشديد ؟ . قال : نتف ريشه بتركه بضعة تنزو . 
حدثنا 
سعيد بن الربيع الرازي  ، قال : ثنا 
سفيان  ، عن 
عمرو بن بشار  ، عن 
ابن عباس  ، في قوله : ( 
لأعذبنه عذابا شديدا  ) قال : نتفه . 
حدثني 
سعيد بن الربيع  ، قال : ثنا 
سفيان  ، عن 
حسين بن أبي شداد  ، قال : نتفه وتشميسه ( 
أو لأذبحنه  ) يقول : أو لأقتلنه .  
[ ص: 444 ] 
كما حدثت عن 
الحسين  ، قال : سمعت 
أبا معاذ  يقول : أخبرنا 
عبيد  ، قال : سمعت 
الضحاك  يقول ، في قوله : ( 
أو لأذبحنه  ) يقول : أو لأقتلنه . 
حدثنا 
القاسم  ، قال : ثنا 
الحسين  ، قال : ثنا 
عباد بن العوام  ، عن 
حصين  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16439عبد الله بن شداد   : ( 
لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه  ) . . . الآية ، قال : فتلقاه الطير ، فأخبره ، فقال : ألم يستثن . 
وقوله : ( 
أو ليأتيني بسلطان مبين  ) يقول : أو ليأتيني بحجة تبين لسامعها صحتها وحقيقتها . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
علي بن الحسين الأزدي  ، قال : ثنا 
المعافى بن عمران  ، عن 
سفيان  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16650عمار الدهني  ، عن 
سعيد بن جبير  ، عن 
ابن عباس  قال : كل سلطان في القرآن فهو حجة . 
حدثني 
محمد بن سعد  ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس  ، قوله : ( 
أو ليأتيني بسلطان مبين  ) يقول : ببينة أعذره بها ، وهو مثل قوله : ( 
الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان  ) يقول : بغير بينة . 
حدثنا 
ابن بشار  ، قال : ثنا 
أبو عاصم  ، قال : ثنا 
سفيان  ، عن رجل ، عن 
عكرمة  ، قال : كل شيء في القرآن سلطان ، فهو حجة . 
حدثنا 
القاسم  ، قال : ثنا 
الحسين  ، قال : ثنا 
عبد الله بن يزيد  ، عن 
قباث بن رزين  ، أنه سمع 
عكرمة  يقول : سمعت 
ابن عباس  يقول : كل سلطان في القرآن فهو حجة ، كان للهدهد سلطان . 
حدثنا 
الحسين  ، قال : ثنا 
أبو سفيان  ، عن 
معمر  ، عن 
قتادة   : ( 
أو ليأتيني بسلطان مبين  ) قال : بعذر بين . 
حدثنا 
ابن حميد  ، قال : ثنا 
سلمة  ، عن 
ابن إسحاق  ، عن بعض أهل العلم ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه   : ( 
أو ليأتيني بسلطان مبين  ) : أي بحجة عذر له في غيبته . 
حدثت عن 
الحسين  ، قال : سمعت 
أبا معاذ  يقول : أخبرنا 
عبيد  ، قال : سمعت 
الضحاك  يقول في قوله : ( 
أو ليأتيني بسلطان مبين  ) يقول : ببينة ، وهو قول الله ( 
الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان  ) بغير بينة .  
[ ص: 445 ] 
حدثني 
يونس  ، قال : أخبرنا 
ابن وهب  ، قال : قال 
ابن زيد  ، في قوله : ( 
أو ليأتيني بسلطان مبين  ) قال : بعذر أعذره فيه .