صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون ( 50 ) فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين ( 51 ) )

يقول تعالى ذكره : وغدر هؤلاء التسعة الرهط الذين يفسدون في الأرض بصالح بمصيرهم إليه ليلا ليقتلوه وأهله ، وصالح لا يشعر بذلك ( ومكرنا مكرا ) يقول : فأخذناهم بعقوبتنا إياهم ، وتعجيلنا العذاب لهم ( وهم لا يشعرون ) بمكرنا .

وقد بينا فيما مضى معنى : مكر الله بمن مكر به ، وما وجه ذلك ، وأنه أخذه من أخذه منهم على غرة ، أو استدراجه منهم من استدرج على كفره به ، ومعصيته إياه ، ثم إحلاله العقوبة به على غرة وغفلة ،

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن رجل ، عن علي ، قال : المكر غدر ، والغدر كفر .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( ومكروا مكرا ومكرنا مكرا ) قال : احتالوا لأمرهم ، واحتال الله لهم ، مكروا بصالح مكرا ، ومكرنا بهم مكرا ( وهم لا يشعرون ) بمكرنا وشعرنا بمكرهم ، قالوا : زعم صالح أنه يفرغ منا إلى ثلاث فنحن نفرغ منه وأهله قبل ذلك ، وكان له مسجد في الحجر في شعب يصلي فيه ، فخرجوا إلى كهف وقالوا : إذا جاء يصلي قتلناه ، ثم رجعنا إذا فرغنا منه إلى أهله ، ففرغنا منهم ، وقرأ قول الله تبارك وتعالى : ( قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون ) فبعث الله صخرة من الهضب حيالهم ، فخشوا أن تشدخهم ، فبادروا الغار ، فطبقت الصخرة عليهم فم ذلك الغار ، [ ص: 480 ] فلا يدري قومهم أين هم ؟ ولا يدرون ما فعل بقومهم ، فعذب الله تبارك وتعالى هؤلاء ههنا ، وهؤلاء هنا ، وأنجى الله صالحا ومن معه .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة : ( ومكروا مكرا ومكرنا مكرا ) قال : فسلط الله عليهم صخرة فقتلتهم .

وقوله : ( فانظر كيف كان عاقبة مكرهم ) يقول تعالى ذكره : فانظر يا محمد بعين قلبك إلى عاقبة غدر ثمود بنبيهم صالح ، كيف كانت ؟ وما الذي أورثها اعتداؤهم وطغيانهم وتكذيبهم ؟ فإن ذلك سنتنا فيمن كذب رسلنا ، وطغى علينا من سائر الخلق ، فحذر قومك من قريش ، أن ينالهم بتكذيبهم إياك ما نال ثمود بتكذيبهم صالحا من المثلات .

وقوله : ( أنا دمرناهم وقومهم أجمعين ) يقول : إنا دمرنا التسعة الرهط الذين يفسدون في الأرض من قوم صالح وقومهم من ثمود أجمعين ، فلم نبق منهم أحدا .

واختلفت القراء في قراءة قوله " إنا " فقرأ بكسرها عامة قراء الحجاز والبصرة على الابتداء ، وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة : ( أنا دمرناهم ) بفتح الألف . وإذا فتحت كان في ( أنا ) وجهان من الإعراب : أحدهما الرفع على ردها على العاقبة على الإتباع لها ، والآخر النصب على الرد على موضع كيف ; لأنها في موضع نصب إن شئت ، وإن شئت على تكرير كان عليها على وجه ، فانظر كيف كان عاقبة مكرهم كان عاقبة مكرهم تدميرنا إياهم .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إنهما قراءتان مشهورتان في قرأة الأمصار متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .

التالي السابق


الخدمات العلمية