1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة النمل
  4. القول في تأويل قوله تعالى " ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين ( 87 ) )

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى : ( ويوم ينفخ في الصور ) وقد ذكرنا اختلافهم فيما مضى ، وبينا الصواب من القول في ذلك عندنا بشواهده ، غير أنا نذكر في هذا الموضع بعض ما لم يذكر هناك من الأخبار ، فقال بعضهم : هو قرن ينفخ فيه .

ذكر بعض من لم يذكر فيما مضى قبل من الخبر عن ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( ويوم ينفخ في الصور ) قال كهيئة البوق .

حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : الصور : البوق قال : هو البوق صاحبه آخذ به يقبض قبضتين بكفيه على طرف القرن ، بين طرفه وبين فيه قدر قبضة أو نحوها ، قد برك على ركبة إحدى رجليه ، فأشار ، فبرك على ركبة يساره مقعيا على قدمها ، عقبها تحت فخذه وأليته ، وأطراف أصابعها في التراب .

قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر بن عبد الله ، قال : الصور كهيئة القرن قد رفع إحدى ركبتيه إلى السماء ، وخفض الأخرى ، لم يلق جفون عينه على غمض منذ خلق الله السماوات مستعدا مستجدا ، قد وضع الصور على فيه ينتظر متى يؤمر أن ينفخ فيه .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن إسماعيل بن رافع [ ص: 503 ] المدني ، عن يزيد بن زياد - قال أبو جعفر : والصواب : يزيد بن أبي زياد - عن محمد بن كعب القرظي ، عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة : أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، ما الصور ؟ قال : " قرن " ، قال : وكيف هو ؟ قال : " قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات : الأولى : نفخة الفزع ، والثانية : نفخة الصعق ، والثالثة : نفخة القيام لله رب العالمين ، يأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى ، فيقول : انفخ نفخة الفزع ، فينفخ نفخة الفزع ، فيفزع أهل السموات وأهل الأرض ، إلا من شاء الله ، ويأمره الله فيمد بها ويطولها ، فلا يفتر ، وهي التي يقول الله : ( وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق ) فيسير الله الجبال ، فتكون سرابا ، وترج الأرض بأهلها رجا ، وهي التي يقول الله : ( يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة ) فتكون الأرض كالسفينة الموثقة في البحر ، تضربها الأمواج ، تكفأ بأهلها ، أو كالقنديل المعلق بالوتر ، ترجحه الأرياح ، فتميد الناس على ظهرها ، فتذهل المراضع ، وتضع الحوامل ، وتشيب الولدان ، وتطير الشياطين هاربة ، حتى تأتي الأقطار ، فتتلقاها الملائكة ، فتضرب وجوهها ، فترجع ، ويولي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضا ، وهو الذي يقول الله : ( يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد ) فبينما هم على ذلك إذ تصدعت الأرض من قطر إلى قطر ، فرأوا أمرا عظيما ، فأخذهم لذلك من الكرب ما الله أعلم به ، ثم نظروا إلى السماء ، فإذا هي كالمهل ، ثم خسف شمسها وقمرها ، وانتثرت نجومها ، ثم كشطت عنهم " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والأموات لا يعلمون بشيء من ذلك ، فقال أبو هريرة : يا رسول الله ، فمن استثنى الله حين يقول : ( ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ) قال : " أولئك الشهداء ، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء ، أولئك أحياء عند ربهم يرزقون ، وقاهم الله فزع ذلك اليوم وآمنهم ، وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه " .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا إسماعيل بن رافع ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تبارك وتعالى لما فرغ من السماوات والأرض ، خلق الصور فأعطاه ملكا ، فهو واضعه على فيه ، شاخص ببصره إلى العرش ، ينتظر متى يؤمر " . قال : قلت : يا رسول الله ، وما [ ص: 504 ] الصور ؟ قال : " قرن " ، قلت : فكيف هو ؟ قال : " عظيم ، والذي نفسي بيده ، إن عظم دائرة فيه ، لكعرض السماوات والأرض ، يأمره فينفخ نفخة الفزع ، فيفزع أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله " ، ثم ذكر باقي الحديث نحو حديث أبي كريب عن المحاربي ، غير أنه قال في حديثه " كالسفينة المرفأة في البحر " .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ونفخ في صور الخلق .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( ويوم ينفخ في الصور ) أي في الخلق . قوله : ( ففزع من في السماوات ومن في الأرض ) يقول : ففزع من في السماوات من الملائكة ومن في الأرض من الجن والإنس والشياطين ، من هول ما يعاينون ذلك اليوم .

فإن قال قائل : وكيف قيل : ( ففزع ) ، فجعل فزع وهي فعل مردودة على ينفخ ، وهي يفعل ؟ قيل : العرب تفعل ذلك في المواضع التي تصلح فيها إذا ، لأن إذا يصلح معها فعل ويفعل ، كقولك : أزورك إذا زرتني ، وأزورك إذا تزورني ، فإذا وضع مكان إذا يوم أجري مجرى إذا . فإن قيل : فأين جواب قوله : ( ويوم ينفخ في الصور ففزع ) ؟ قيل : جائز أن يكون مضمرا مع الواو ، كأنه قيل : ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون ، وذلك يوم ينفخ في الصور . وجائز أن يكون متروكا اكتفي بدلالة الكلام عليه منه ، كما قيل : ( ولو يرى الذين ظلموا ) فترك جوابه .

وقوله : ( إلا من شاء الله ) قيل : إن الذين استثناهم الله في هذا الموضع من أن ينالهم الفزع يومئذ الشهداء ، وذلك أنهم أحياء عند ربهم يرزقون ، وإن كانوا في عداد الموتى عند أهل الدنيا ، وبذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد ذكرناه في الخبر الماضي .

وحدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا العوام عمن حدثه ، عن أبي هريرة ، أنه قرأ هذه الآية : ( ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ) قال : هم الشهداء .

وقوله : ( وكل أتوه داخرين ) يقول : وكل أتوه صاغرين .

وبمثل الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . [ ص: 505 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( وكل أتوه داخرين ) يقول : صاغرين .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : ( وكل أتوه داخرين ) قال : صاغرين .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وكل أتوه داخرين ) قال : الداخر : الصاغر الراغم ، قال : لأن المرء الذي يفزع إذا فزع إنما همته الهرب من الأمر الذي فزع منه ، قال : فلما نفخ في الصور فزعوا ، فلم يكن لهم من الله منجى .

واختلفت القراء في قراءة قوله : ( وكل أتوه داخرين ) فقرأته عامة قراء الأمصار : " وكل آتوه " بمد الألف من أتوه على مثال فاعلوه سوى ابن مسعود ، فإنه قرأه : " وكل أتوه " على مثال فعلوه ، واتبعه على القراءة به المتأخرون الأعمش وحمزة ، واعتل الذين قرءوا ذلك على مثال فاعلوه بإجماع القراء على قوله : ( وكلهم آتيه ) قالوا : فكذلك قوله : " آتوه " في الجمع . وأما الذين قرءوا على قراءة عبد الله ، فإنهم ردوه على قوله : ( ففزع ) كأنهم وجهوا معنى الكلام إلى : ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض ، وأتوه كلهم داخرين ، كما يقال في الكلام : رأى وفر وعاد وهو صاغر .

والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار ، ومتقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .

التالي السابق


الخدمات العلمية