القول في 
تأويل قوله تعالى : ( فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين  ( 8 ) ) 
يقول تعالى ذكره : فالتقطه آل 
فرعون  فأصابوه وأخذوه ; وأصله من اللقطة ، وهو ما وجد ضالا فأخذ ، 
والعرب  تقول لما وردت عليه فجأة من غير طلب له ولا إرادة ، أصبته التقاطا ، ولقيت فلانا التقاطا ; ومنه قول 
الراجز   : 
ومنهل وردته التقاطا لم ألق إذ وردته فراطا 
 [ ص: 522 ] 
يعني فجأة . 
واختلف أهل التأويل في المعني بقوله : ( آل فرعون ) في هذا الموضع ، فقال بعضهم : عنى بذلك : جواري 
امرأة فرعون   . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
موسى  ، قال : ثنا 
عمرو  ، قال : ثنا 
أسباط  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ،  قال : أقبل الموج بالتابوت يرفعه مرة ويخفضه أخرى ، حتى أدخله بين أشجار عند بيت 
فرعون  ، فخرج جواري 
آسية امرأة فرعون  يغسلن ، فوجدن التابوت ، فأدخلنه إلى 
آسية  ، وظنن أن فيه مالا فلما نظرت إليه 
آسية  ، وقعت عليها رحمته فأحبته ; فلما أخبرت به فرعون أراد أن يذبحه ، فلم تزل 
آسية  تكلمه حتى تركه لها ، قال : إني أخاف أن يكون هذا من 
بني إسرائيل  ، وأن يكون هذا الذي على يديه هلاكنا ، فذلك قول الله : ( 
فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا  )  . 
وقال آخرون : بل عني به 
ابنة فرعون   . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
القاسم  ، قال : ثنا 
الحسين  ، قال : ثني 
حجاج ،  عن 
أبي معشر  ، عن 
محمد بن قيس  ، قال : كانت 
بنت فرعون  برصاء ، فجاءت إلى النيل ، فإذا التابوت في النيل تخفقه الأمواج ، فأخذته 
بنت فرعون  ، فلما فتحت التابوت ، فإذا هي بصبي ، فلما اطلعت في وجهه برأت من البرص ، فجاءت به إلى أمها ، فقالت : إن هذا الصبي مبارك لما نظرت إليه برئت ، فقال 
فرعون   : هذا من صبيان 
بني إسرائيل  ، هلم حتى أقتله ، فقالت : ( 
قرة عين لي ولك لا تقتلوه  )  .  
[ ص: 523 ] 
وقال آخرون : عنى به أعوان 
فرعون   . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
ابن حميد ،  قال : ثنا 
سلمة  ، عن 
ابن إسحاق  ، قال : أصبح 
فرعون  في مجلس له كان يجلسه على شفير النيل كل غداة : فبينما هو جالس ، إذ مر النيل بالتابوت يقذف به ، 
وآسية بنت مزاحم  امرأته جالسة إلى جنبه ، فقالت : إن هذا لشيء في البحر ، فأتوني به ، فخرج إليه أعوانه ، حتى جاءوا به ، ففتح التابوت فإذا فيه صبي في مهده ، فألقى الله عليه محبته ، وعطف عليه نفسه ، قالت امرأته 
آسية   : ( 
لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا  )  . 
ولا قول في ذلك عندنا أولى بالصواب مما قال الله عز وجل : ( 
فالتقطه آل فرعون  ) 
وقد بينا معنى الآل فيما مضى بما فيه الكفاية من إعادته ههنا . 
وقوله : ( 
ليكون لهم عدوا وحزنا  ) فيقول القائل : ليكون 
موسى  لآل فرعون  عدوا وحزنا فالتقطوه ، فيقال : ( 
فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا  ) قيل : إنهم حين التقطوه لم يلتقطوه لذلك ، بل لما تقدم ذكره ، ولكنه إن شاء الله كما حدثنا 
ابن حميد ،  قال : ثنا 
سلمة  عن 
ابن إسحاق  ، في قوله : ( 
فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا  ) قال : ليكون في عاقبة أمره عدوا وحزنا لما أراد الله به ، وليس لذلك أخذوه ، ولكن 
امرأة فرعون  قالت : ( 
قرة عين لي ولك  ) فكان قول الله : ( 
ليكون لهم عدوا وحزنا  ) لما هو كائن في عاقبة أمره لهم ، وهو كقول الآخر إذا قرعه لفعل كان فعله وهو يحسب محسنا في فعله ، فأداه فعله ذلك إلى مساءة مندما له على فعله : فعلت هذا لضر نفسك ، ولتضر به نفسك فعلت . وقد كان الفاعل في حال فعله ذلك عند نفسه يفعله راجيا نفعه ، غير أن العاقبة جاءت بخلاف ما كان يرجو . فكذلك قوله : ( 
فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا  ) إنما هو : فالتقطه آل 
فرعون  ظنا منهم أنهم محسنون إلى أنفسهم ، ليكون قرة عين لهم ، فكانت عاقبة التقاطهم إياه منه هلاكهم على يديه . 
وقوله : ( 
عدوا وحزنا  ) يقول : يكون لهم عدوا في دينهم ، وحزنا على ما ينالهم منه من المكروه .  
[ ص: 524 ] 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
بشر  ، قال : ثنا 
يزيد  ، قال : ثنا 
سعيد  ، عن 
قتادة  ، قوله : ( 
فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا  ) عدوا لهم في دينهم ، وحزنا لما يأتيهم  . 
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء أهل 
المدينة  والبصرة ،  وبعض أهل 
الكوفة   : ( وحزنا ) بفتح الحاء والزاي . وقرأته عامة قراء 
الكوفة   : " وحزنا " بضم الحاء وتسكين الزاي . والحزن بفتح الحاء والزاي مصدر من حزنت حزنا ، والحزن بضم الحاء وتسكين الزاي الاسم : كالعدم والعدم ، ونحوه . 
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان متقاربتا المعنى ، وهما على اختلاف اللفظ فيهما بمنزلة العدم والعدم ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . 
وقوله : ( 
إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين  ) يقول تعالى ذكره : إن 
فرعون  وهامان  وجنودهما كانوا بربهم آثمين ، فلذلك كان لهم 
موسى  عدوا وحزنا .