صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل فيمن عنى الله بقوله : ( كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم ) ، فقال بعضهم في ذلك بما : -

1867 - حدثني به محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم ) ، هم اليهود .

1868 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( قال الذين من قبلهم ) ، اليهود .

وقال آخرون : هم اليهود والنصارى ، لأن الذين لا يعلمون هم العرب .

ذكر من قال ذلك :

1869 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة : ( قال الذين من قبلهم ) ، يعني اليهود والنصارى وغيرهم .

1870 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال ، قالوا يعني - العرب - كما قالت اليهود والنصارى من قبلهم .

1871 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، [ ص: 555 ] عن أبيه ، عن الربيع : ( كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم ) ، يعني اليهود والنصارى .

قال أبو جعفر : قد دللنا على أن الذين عنى الله تعالى ذكره بقوله : ( وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله ) ، هم النصارى ، والذين قالوا مثل قولهم هم اليهود سألت موسى صلى الله عليه وسلم أن يريهم ربهم جهرة ، وأن يسمعهم كلام ربهم ، كما قد بينا فيما مضى من كتابنا هذا - وسألوا من الآيات ما ليس لهم مسألته تحكما منهم على ربهم ، وكذلك تمنت النصارى على ربها تحكما منها عليه أن يسمعهم كلامه ويريهم ما أرادوا من الآيات . فأخبر الله - جل ثناؤه - عنهم أنهم قالوا من القول في ذلك ، مثل الذي قالته اليهود وتمنت على ربها مثل أمانيها ، وأن قولهم الذي قالوه من ذلك إنما يشابه قول اليهود من أجل تشابه قلوبهم في الضلالة والكفر بالله؛ فهم وإن اختلفت مذاهبهم في كذبهم على الله وافترائهم عليه ، فقلوبهم متشابهة في الكفر بربهم والفرية عليه ، وتحكمهم على أنبياء الله ورسله عليهم السلام . وبنحو ما قلنا في ذلك قال مجاهد .

1872 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( تشابهت قلوبهم ) قلوب النصارى واليهود .

وقال غيره : معنى ذلك تشابهت قلوب كفار العرب واليهود والنصارى وغيرهم .

ذكر من قال ذلك :

1873 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن [ ص: 556 ] قتادة : ( تشابهت قلوبهم ) ، يعني العرب واليهود والنصارى وغيرهم .

1874 - حدثني المثنى ، حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ( تشابهت قلوبهم ) ، يعني العرب واليهود والنصارى وغيرهم .

قال أبو جعفر : وغير جائز في قوله : ( تشابهت ) التثقيل ، لأن التاء التي في أولها زائدة أدخلت في قوله : "تفاعل" ، وإن ثقلت صارت تاءين ، ولا يجوز إدخال تاءين زائدتين علامة لمعنى واحد ، وإنما يجوز ذلك في الاستقبال لاختلاف معنى دخولهما؛ لأن إحداهما تدخل علما للاستقبال ، والأخرى منها التي في "تفاعل" ، ثم تدغم إحداهما في الأخرى فتثقل ، فيقال : تشابه بعد اليوم قلوبنا .

فمعنى الآية : وقالت النصارى ، الجهال بالله وبعظمته : هلا يكلمنا الله ربنا ، كما كلم أنبياءه ورسله ، أو تجيئنا علامة من الله نعرف بها صدق ما نحن عليه على ما نسأل ونريد؟ قال الله جل ثناؤه : فكما قال هؤلاء الجهال من النصارى وتمنوا على ربهم ، قال من قبلهم من اليهود ، فسألوا ربهم أن يريهم الله نفسه جهرة ، ويؤتيهم آية ، واحتكموا عليه وعلى رسله ، وتمنوا الأماني ، فاشتبهت قلوب اليهود والنصارى في تمردهم على الله وقلة معرفتهم بعظمته وجرأتهم على أنبيائه ورسله ، كما اشتبهت أقوالهم التي قالوها .

التالي السابق


الخدمات العلمية