1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة القصص
  4. القول في تأويل قوله تعالى " وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين ( 31 ) اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين ( 32 ) ) [ ص: 574 ]

يقول تعالى ذكره : نودي موسى : ( أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين وأن ألق عصاك ) فألقاها موسى ، فصارت حية تسعى .

( فلما رآها ) موسى ( تهتز ) يقول : تتحرك وتضطرب ( كأنها جان ) والجان واحد الجنان ، وهي نوع معروف من أنواع الحيات ، وهي منها عظام . ومعنى الكلام : كأنها جان من الحيات ( ولى مدبرا ) يقول : ولى موسى هاربا منها .

كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ولى مدبرا ) فارا منها ، ( ولم يعقب ) يقول : ولم يرجع على عقبه .

وقد ذكرنا الرواية في ذلك ، وما قاله أهل التأويل فيما مضى ، فكرهنا إعادته ، غير أنا نذكر في ذلك بعض ما لم نذكره هنالك .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ولم يعقب ) يقول : ولم يعقب ، أي لم يلتفت من الفرق .

حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ( ولم يعقب ) يقول : لم ينتظر .

وقوله : ( يا موسى أقبل ولا تخف ) يقول تعالى ذكره : فنودي موسى : يا موسى أقبل إلي ولا تخف من الذي تهرب منه ( إنك من الآمنين ) من أن يضرك ، إنما هو عصاك .

وقوله : ( اسلك يدك في جيبك ) يقول : أدخل يدك ، وفيه لغتان : سلكته ، وأسلكته ( في جيبك ) يقول : في جيب قميصك .

كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( اسلك يدك في جيبك ) : أي في جيب قميصك .

وقد بينا فيما مضى السبب الذي من أجله أمر أن يدخل يده في الجيب دون الكم .

وقوله : ( تخرج بيضاء من غير سوء ) يقول : تخرج بيضاء من غير برص .

كما حدثنا بشر ، قال : ثنا ابن المفضل ، قال : ثنا قرة بن خالد ، عن الحسن ، في قوله : ( اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء ) قال : فخرجت كأنها المصباح ، فأيقن موسى أنه لقي ربه .

وقوله : ( واضمم إليك جناحك ) يقول : واضمم إليك يدك .

كما حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : [ ص: 575 ] قال ابن عباس ( واضمم إليك جناحك ) قال : يدك .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ( واضمم إليك جناحك ) قال : وجناحاه : الذراع . والعضد : هو الجناح . والكف : اليد ، اضمم ( يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء ) .

وقوله : ( من الرهب ) يقول : من الخوف والفرق الذي قد نالك من معاينتك ما عاينت من هول الحية .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( من الرهب ) قال : الفرق .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( واضمم إليك جناحك من الرهب ) : أي من الرعب .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( من الرهب ) قال : مما دخله من الفرق من الحية والخوف ، وقال : ذلك الرهب ، وقرأ قول الله : ( يدعوننا رغبا ورهبا ) قال : خوفا وطمعا .

واختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء أهل الحجاز والبصرة : " من الرهب " بفتح الراء والهاء . وقرأته عامة قراء الكوفة : " من الرهب " بضم الراء وتسكين الهاء ، والقول في ذلك أنهما قراءتان متفقتا المعنى مشهورتان في قراء الأمصار ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .

وقوله : ( فذانك برهانان من ربك ) يقول تعالى ذكره : فهذان اللذان أريتكهما يا موسى من تحول العصا حية ، ويدك وهي سمراء بيضاء تلمع من غير برص ، برهانان : يقول : آيتان وحجتان . وأصل البرهان : البيان ، يقال للرجل يقول القول إذا سئل الحجة عليه : هات برهانك على ما تقول : أي هات تبيان ذلك ومصداقه . [ ص: 576 ]

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ( فذانك برهانان من ربك ) العصا واليد آيتان .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله ( فذانك برهانان من ربك ) تبيانان من ربك .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ( فذانك برهانان من ربك ) هذان برهانان .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( فذانك برهانان من ربك ) فقرأ : ( هاتوا برهانكم ) على ذلك آية نعرفها ، وقال : ( برهانان ) آيتان من الله .

واختلفت القراء في قراءة قوله : ( فذانك ) فقرأته عامة قراء الأمصار ، سوى ابن كثير وأبي عمرو : ( فذانك ) بتخفيف النون ، لأنها نون الاثنين ، وقرأه ابن كثير وأبو عمرو : " فذانك " بتشديد النون .

واختلف أهل العربية في وجه تشديدها ، فقال بعض نحويي البصرة : ثقل النون من ثقلها للتوكيد ، كما أدخلوا اللام في ذلك . وقال بعض نحويي الكوفة : شددت فرقا بينها وبين النون التي تسقط للإضافة ، لأن هاتان وهذان لا تضاف . وقال آخر منهم : هو من لغة من قال : هذاآ قال ذلك ، فزاد على الألف ألفا ، كذا زاد على النون نونا ليفصل بينهما وبين الأسماء المتمكنة ، وقال في ( ذانك ) إنما كانت ذلك فيمن قال : هذان يا هذا ، فكرهوا تثنية الإضافة فأعقبوها باللام ، لأن الإضافة تعقب باللام . وكان أبو عمرو يقول : التشديد في النون في " ذانك " من لغة قريش .

يقول : ( إلى فرعون وملئه ) إلى فرعون وأشراف قومه ، حجة عليهم ، ودلالة على حقيقة نبوتك يا موسى ( إنهم كانوا قوما فاسقين ) يقول : إن فرعون وملأه كانوا قوما كافرين .

التالي السابق


الخدمات العلمية