صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ( 55 ) )

يقول تعالى ذكره : وإذا سمع هؤلاء القوم الذين آتيناهم الكتاب اللغو ، وهو الباطل من القول .

كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ) لا يجارون أهل الجهل والباطل في باطلهم ، أتاهم من أمر الله ما وقذهم عن ذلك .

وقال آخرون : عني باللغو في هذا الموضع : ما كان أهل الكتاب ألحقوه في كتاب الله مما ليس هو منه .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا ) . . . إلى آخر الآية ، قال : هذه لأهل الكتاب ، إذا سمعوا اللغو الذي كتب القوم بأيديهم مع كتاب الله ، وقالوا : هو من عند الله ، إذا سمعه الذين أسلموا ، ومروا به يتلونه ، أعرضوا عنه ، وكأنهم لم يسمعوا ذلك قبل أن يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، لأنهم كانوا مسلمين على دين عيسى ، ألا ترى أنهم يقولون : ( إنا كنا من قبله مسلمين ) .

وقال آخرون في ذلك بما حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن عيينة ، عن منصور ، عن مجاهد ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم ) قال : نزلت في قوم كانوا مشركين فأسلموا ، فكان قومهم يؤذونهم .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جويرية ، عن منصور ، عن مجاهد ، قوله : ( رزقناهم ينفقون وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ) قال : كان ناس من أهل الكتاب أسلموا ، فكان المشركون يؤذونهم ، فكانوا يصفحون عنهم ، يقولون : ( سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ) .

وقوله : ( أعرضوا عنه ) يقول : لم يصغوا إليه ولم يستمعوه ( وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ) وهذا يدل على أن اللغو الذي ذكره الله في هذا الموضع ، إنما هو ما قاله مجاهد ، من أنه سماع القوم ممن يؤذيهم بالقول ما يكرهون منه في أنفسهم ، وأنهم أجابوهم بالجميل من القول ( لنا أعمالنا ) قد رضينا بها لأنفسنا ، ( ولكم أعمالكم ) قد رضيتم بها لأنفسكم . وقوله : ( سلام عليكم ) يقول : أمنة لكم منا أن نسابكم ، أو تسمعوا منا ما لا تحبون ( لا نبتغي الجاهلين ) يقول : لا نريد محاورة أهل الجهل ومسابتهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية