صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ( 56 ) )

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( إنك ) يا محمد ( لا تهدي من أحببت ) هدايته ( ولكن الله يهدي من يشاء ) أن يهديه من خلقه ، بتوفيقه للإيمان به وبرسوله . ولو قيل : معناه : إنك لا تهدي من أحببته لقرابته منك ، ولكن الله يهدي من يشاء ، كان مذهبا ( وهو أعلم بالمهتدين ) يقول جل ثناؤه : والله أعلم من سبق له في علمه أنه يهتدي للرشاد ، ذلك الذي يهديه الله فيسدده ويوفقه .

وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل امتناع أبي طالب عمه من إجابته ، إذ دعاه إلى الإيمان بالله ، إلى ما دعاه إليه من ذلك .

ذكر الرواية بذلك :

حدثنا أبو كريب والحسين بن علي الصدائي ، قالا ثنا الوليد بن القاسم ، عن يزيد بن كيسان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه عند الموت : " قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة " قال : لولا أن تعيرني قريش لأقررت عينك ، فأنزل الله : ( إنك لا تهدي من أحببت ) . . . الآية .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، عن يزيد بن كيسان ، قال : ثني أبو حازم الأشجعي ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه : [ ص: 599 ] " قل لا إله إلا الله " ثم ذكر مثله .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا أبو أسامة ، عن يزيد بن كيسان سمع أبا حازم الأشجعي ، يذكر عن أبي هريرة قال : لما حضرت وفاة أبي طالب ، أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا عماه ، قل لا إله إلا الله " فذكر مثله ، إلا أنه قال : لولا أن تعيرني قريش ، يقولون : ما حمله عليه إلا جزع الموت .

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا محمد بن عبيد ، عن يزيد بن كيسان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحو حديث أبي كريب الصدائي .

حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : ثني عمي عبد الله بن وهب ، قال : ثني يونس ، عن الزهري قال : ثني سعيد بن المسيب ، عن أبيه ، قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة ، جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجد عنده أبا جهل بن هشام ، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا عم ، قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله " فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب : أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ، ويعيد له تلك المقالة ، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم : هو على ملة عبد المطلب ، وأبى أن يقول : لا إله إلا الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك " ، فأنزل الله ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى ) ، وأنزل الله في أبي طالب ، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي ) . . . الآية .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبيه ، بنحوه

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن أبي سعيد بن رافع ، قال : قلت لابن عمر : ( إنك لا تهدي من أحببت ) نزلت في أبي طالب ؟ قال : نعم .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( إنك لا تهدي من أحببت ) قال : قول محمد لأبي طالب : " قل : كلمة الإخلاص أجادل عنك بها يوم القيامة " قال محمد بن عمرو في حديثه : قال : يا ابن أخي ملة الأشياخ ، [ ص: 600 ] أو سنة الأشياخ . وقال الحارث في حديثه : قال يا ابن أخي ملة الأشياخ .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ( إنك لا تهدي من أحببت ) قال : قال محمد لأبي طالب : " اشهد بكلمة الإخلاص أجادل عنك بها يوم القيامة " قال : أي ابن أخي ملة الأشياخ ، فأنزل الله ( إنك لا تهدي من أحببت ) قال : نزلت هذه الآية في أبي طالب .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( إنك لا تهدي من أحببت ) ذكر لنا أنها نزلت في أبي طالب ، قال الأصم عند موته يقول لا إله إلا الله لكيما تحل له بها الشفاعة ، فأبى عليه .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن عطاء ، عن عامر : لما حضر أبا طالب الموت ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم : " يا عماه ، قل : لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة " فقال له : يا ابن أخي ، إنه لولا أن يكون عليك عار لم أبال أن أفعل ، فقال له ذلك مرارا . فلما مات اشتد ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا : ما تنفع قرابة أبي طالب منك ، فقال : " بلى ، والذي نفسي بيده إنه الساعة لفي ضحضاح من النار عليه نعلان من نار تغلي منهما أم رأسه ، وما من أهل النار من إنسان هو أهون عذابا منه ، وهو الذي أنزل الله فيه ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ) " .

وقوله : ( وهو أعلم بالمهتدين ) يقول : وهو أعلم بمن قضى له الهدى .

كالذي حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( وهو أعلم بالمهتدين ) قال بمن قدر له الهدى والضلالة .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

التالي السابق


الخدمات العلمية