صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون ( 57 ) ) [ ص: 601 ]

يقول تعالى ذكره : وقالت كفار قريش : إن نتبع الحق الذي جئتنا به معك ، ونتبرأ من الأنداد والآلهة ، يتخطفنا الناس من أرضنا بإجماع جميعهم على خلافنا وحربنا ، يقول الله لنبيه : فقل : ( أولم نمكن لهم حرما ) يقول : أولم نوطئ لهم بلدا حرمنا على الناس سفك الدماء فيه ، ومنعناهم من أن يتناولوا سكانه فيه بسوء ، وأمنا على أهله من أن يصيبهم بها غارة ، أو قتل ، أو سباء .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن أبي مليكة ، عن ابن عباس ، أن الحارث بن نوفل ، الذي قال : ( إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ) وزعموا أنهم قالوا : قد علمنا أنك رسول الله ، ولكنا نخاف أن نتخطف من أرضنا ، ( أولم نمكن لهم ) الآية .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ) قال : هم أناس من قريش قالوا لمحمد : إن نتبعك يتخطفنا الناس ، فقال الله : ( أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء ) .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( ويتخطف الناس من حولهم ) : قال : كان يغير بعضهم على بعض .

وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : ( أولم نمكن لهم حرما آمنا ) قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ) قال الله : ( أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء ) يقول : أولم يكونوا آمنين في حرمهم لا يغزون فيه ولا يخافون ، يجبى إليه ثمرات كل شيء .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال ثني أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ( أولم نمكن لهم حرما آمنا ) قال : كان أهل الحرم آمنين يذهبون حيث شاءوا ، إذا [ ص: 602 ] خرج أحدهم فقال : إني من أهل الحرم لم يتعرض له ، وكان غيرهم من الناس إذا خرج أحدهم قتل .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( أولم نمكن لهم حرما آمنا ) قال : آمناكم به ، قال هي مكة ، وهم قريش .

وقوله : ( يجبى إليه ثمرات كل شيء ) يقول يجمع إليه ، وهو من قولهم : جبيت الماء في الحوض : إذا جمعته فيه ، وإنما أريد بذلك : يحمل إليه ثمرات كل بلد .

كما حدثنا أبو كريب ، قال ثنا ابن عطية ، عن شريك ، عن عثمان بن أبي زرعة ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في ( يجبى إليه ثمرات كل شيء ) قال : ثمرات الأرض .

وقوله : ( رزقا من لدنا ) يقول : ورزقا رزقناهم من لدنا ، يعني : من عندنا ( ولكن أكثرهم لا يعلمون ) يقول تعالى ذكره : ولكن أكثر هؤلاء المشركين القائلين لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ) لا يعلمون أنا نحن الذين مكنا لهم حرما آمنا ، ورزقناهم فيه ، وجعلنا الثمرات من كل أرض تجبى إليهم ، فهم بجهلهم بمن فعل ذلك بهم يكفرون ، لا يشكرون من أنعم عليهم بذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية