[ ص: 634 ] القول في 
تأويل قوله تعالى : ( وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون  ( 82 ) ) 
يقول تعالى ذكره : وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس من الدنيا ، وغناه وكثرة ماله ، وما بسط له منها بالأمس ، يعني قبل أن ينزل به ما نزل من سخط الله وعقابه ، يقولون : ويكأن الله . . . 
اختلف في معنى ( ويكأن الله ) فأما 
قتادة  ، فإنه روي عنه في ذلك قولان : أحدهما ما : 
حدثنا به 
ابن بشار ،  قال : ثنا 
محمد بن خالد بن عثمة  ، قال : ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15991سعيد بن بشير  ، عن 
قتادة  ، قال في قوله : ( ويكأنه ) قال : ألم تر أنه  . 
حدثنا 
بشر  ، قال : ثنا 
يزيد  ، قال : ثنا 
سعيد  ، عن 
قتادة   ( ويكأنه ) أولا ترى أنه  . 
وحدثني 
إسماعيل بن المتوكل الأشجعي  ، قال : ثنا 
محمد بن كثير  ، قال : ثني 
معمر  ، عن 
قتادة   ( ويكأنه ) قال : ألم تر أنه  . 
والقول الآخر : ما حدثنا 
القاسم  ، قال : ثنا 
الحسين  ، قال : ثنا أبو 
سفيان  ، عن 
معمر  ، عن 
قتادة  ، في قوله : ( 
ويكأن الله يبسط الرزق  ) قال : أولم يعلم أن الله ( ويكأنه ) أولا يعلم أنه  . 
وتأول هذا التأويل الذي ذكرناه عن 
قتادة  في ذلك أيضا بعض أهل المعرفة بكلام 
العرب  من أهل 
البصرة  ، واستشهد لصحة تأويله ذلك كذلك ، بقول الشاعر : 
سألتاني الطلاق أن رأتاني قل مالي قد جئتما بنكر     ويكأن من يكن له نشب يح 
بب ومن يفتقر يعش عيش ضر 
 [ ص: 635 ] 
وقال بعض نحويي 
الكوفة   : " ويكأن " في كلام 
العرب   : تقرير ، كقول الرجل : أما ترى إلى صنع الله وإحسانه ، وذكر أنه أخبره من سمع أعرابية تقول لزوجها : أين ابننا ؟ فقال : ويكأنه وراء البيت . معناه : أما ترينه وراء البيت ؟ قال : وقد يذهب بها بعض النحويين إلى أنها كلمتان ، يريد : ويك أنه ، كأنه أراد : ويلك ، فحذف اللام ، فتجعل " أن " مفتوحة بفعل مضمر ، كأنه قال : ويلك أعلم أنه وراء البيت ، فأضمر " أعلم " . 
قال : ولم نجد 
العرب  تعمل الظن مضمرا ، ولا العلم وأشباهه في " أن " ، وذلك أنه يبطل إذا كان بين الكلمتين ، أو في آخر الكلمة ، فلما أضمر جرى مجرى المتأخر ; ألا ترى أنه لا يجوز في الابتداء أن يقول : يا هذا أنك قائم ، ويا هذا أن قمت ، يريد : علمت ، أو أعلم ، أو ظننت ، أو أظن ، وأما حذف اللام من قولك : ويلك حتى تصير : ويك ، فقد تقوله : 
العرب  ، لكثرتها في الكلام ، قال 
عنترة   : 
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها     قول الفوارس ويك عنتر أقدم 
 [ ص: 636 ] 
قال : وقال آخرون : إن معنى قوله : ( ويكأن ) : " وي " منفصلة من كأن ، كقولك للرجل : وي أما ترى ما بين يديك ؟ فقال : " وي " ثم استأنف ، كأن الله يبسط الرزق ، وهي تعجب ، وكأن في معنى الظن والعلم ، فهذا وجه يستقيم . قال : ولم تكتبها 
العرب  منفصلة ، ولو كانت على هذا لكتبوها منفصلة ، وقد يجوز أن تكون كثر بها الكلام ، فوصلت بما ليست منه . 
وقال آخر منهم : إن " وي " : تنبيه ، وكأن حرف آخر غيره ، بمعنى : لعل الأمر كذا ، وأظن الأمر كذا ، لأن كأن بمنزلة أظن وأحسب وأعلم . 
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة : القول الذي ذكرنا عن 
قتادة  ، من أن معناه : ألم تر ، ألم تعلم ، للشاهد الذي ذكرنا فيه من قول الشاعر ، والرواية عن 
العرب   ; وأن " ويكأن " في خط المصحف حرف واحد . ومتى وجه ذلك إلى غير التأويل الذي ذكرنا عن 
قتادة  ، فإنه يصير حرفين ، وذلك أنه إن وجه إلى قول من تأوله بمعنى : ويلك اعلم أن الله ; وجب أن يفصل " ويك " من " أن " ، وذلك خلاف خط جميع المصاحف ، مع فساده في العربية ، لما ذكرنا . وإن وجه إلى قول من يقول : " وي " بمعنى التنبيه ، ثم استأنف الكلام بكأن ، وجب أن يفصل " وي " من " كأن " ، وذلك أيضا خلاف خطوط المصاحف كلها . 
فإذا كان ذلك حرفا واحدا ، فالصواب من التأويل : ما قاله 
قتادة  ، وإذ كان ذلك هو الصواب ، فتأويل الكلام : وأصبح الذين تمنوا مكان 
قارون  وموضعه من الدنيا بالأمس ، يقولون لما عاينوا ما أحل الله به من نقمته : ألم تر يا هذا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ، فيوسع عليه ، لا لفضل منزلته عنده ، ولا لكرامته عليه ، كما كان بسط من ذلك لقارون ، لا لفضله ولا لكرامته عليه ( ويقدر ) يقول : ويضيق على من يشاء من خلقه ذلك ، ويقتر عليه ، لا لهوانه ، ولا لسخطه عمله . 
وقوله : ( 
لولا أن من الله علينا  ) يقول : لولا أن تفضل علينا ، فصرف عنا ما كنا نتمناه بالأمس ( 
لخسف بنا  ) .  
[ ص: 637 ] 
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار سوى 
شيبة   : " لخسف بنا " بضم الخاء ، وكسر السين وذكر عن 
شيبة  والحسن   : ( 
لخسف بنا  ) بفتح الخاء والسين ، بمعنى : لخسف الله بنا . 
وقوله : ( 
ويكأنه لا يفلح الكافرون  ) يقول : ألم تعلم أنه لا يفلح الكافرون ، فتنجح طلباتهم .