صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( يتلونه حق تلاوته )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله عز وجل : ( يتلونه حق تلاوته ) ، فقال بعضهم : معنى ذلك يتبعونه حق اتباعه .

ذكر من قال ذلك :

1880 - حدثني محمد بن المثنى قال : حدثني ابن أبي عدي ، وعبد الأعلى ، وحدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا ابن أبي عدي جميعا ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( يتلونه حق تلاوته ) ، يتبعونه حق اتباعه .

1881 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا داود ، عن عكرمة بمثله .

1880 - وحدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا داود بن أبي هند ، عن عكرمة بمثله .

1883 - حدثني الحسن بن عمرو العنقزي قال : حدثني أبي ، عن أسباط ، عن السدي ، عن أبي مالك ، عن ابن عباس في قول الله عز وجل : ( يتلونه حق تلاوته ) ، قال : يحلون حلاله ويحرمون حرامه ، ولا يحرفونه .

1884 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : قال أبو مالك : إن ابن عباس قال في : ( يتلونه حق تلاوته ) ، فذكر مثله ، إلا أنه قال : ولا يحرفونه عن مواضعه .

1885 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا المؤمل قال : حدثنا سفيان قال : [ ص: 567 ] حدثنا يزيد ، عن مرة ، عن عبد الله في قول الله عز وجل : ( يتلونه حق تلاوته ) : قال : يتبعونه حق اتباعه .

1886 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية قال : قال عبد الله بن مسعود : والذي نفسي بيده ، إن حق تلاوته : أن يحل حلاله ويحرم حرامه ، ويقرأه كما أنزله الله ، ولا يحرف الكلم عن مواضعه ، ولا يتأول منه شيئا على غير تأويله .

1887 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ومنصور بن المعتمر ، عن ابن مسعود في قوله : ( يتلونه حق تلاوته ) ، أن يحل حلاله ويحرم حرامه ، ولا يحرفه عن مواضعه .

1888 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا [ أبو أحمد ] الزبيري قال : حدثنا عباد بن العوام عمن ذكره ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( يتلونه حق تلاوته ) يتبعونه حق اتباعه .

1889 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا عباد بن العوام ، عن الحجاج ، عن عطاء ، بمثله .

1890 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن أبي رزين في قوله : ( يتلونه حق تلاوته ) ، قال : يتبعونه حق اتباعه .

1891 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان - وحدثني المثنى قال : حدثني أبو نعيم قال : حدثنا سفيان وحدثني نصر بن عبد الرحمن الأزدي قال : حدثنا يحيى بن إبراهيم ، عن سفيان - قالوا جميعا : عن منصور ، عن أبي رزين ، مثله .

1892 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن مجاهد : ( يتلونه حق تلاوته ) ، قال : عملا به . [ ص: 568 ]

1893 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عبد الملك ، عن قيس بن سعد : ( يتلونه حق تلاوته ) ، قال : يتبعونه حق اتباعه ، ألم تر إلى قوله : ( والقمر إذا تلاها ) [ سورة الشمس : 2 ] ، يعني الشمس إذا تبعها القمر .

1894 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء وقيس بن سعد ، عن مجاهد في قوله : ( يتلونه حق تلاوته ) ، قال : يعملون به حق عمله .

1895 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم ، عن عبد الملك ، عن قيس بن سعد ، عن مجاهد قال ، يتبعونه حق اتباعه .

1896 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

1897 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( يتلونه حق تلاوته ) ، يعملون به حق عمله .

1898 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن مجاهد في قوله : ( يتلونه حق تلاوته ) ، قال : يتبعونه حق اتباعه .

1899 - حدثني عمرو قال : حدثنا أبو قتيبة قال : حدثنا الحسن بن أبي جعفر ، عن أبي أيوب ، عن أبي الخليل ، عن مجاهد : ( يتلونه حق تلاوته ) ، قال : يتبعونه حق اتباعه . [ ص: 569 ]

1900 - حدثنا عمرو قال : حدثنا يحيى القطان ، عن عبد الملك ، عن عطاء قوله : ( يتلونه حق تلاوته ) قال : يتبعونه حق اتباعه ، يعملون به حق عمله .

1901 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثني أبي ، عن المبارك ، عن الحسن : ( يتلونه حق تلاوته ) قال : يعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه ، ويكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه .

1902 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( يتلونه حق تلاوته ) ، قال : أحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ، وعملوا بما فيه ، ذكر لنا أن ابن مسعود كان يقول : إن حق تلاوته : أن يحل حلاله ، ويحرم حرامه ، وأن يقرأه كما أنزله الله عز وجل ، ولا يحرفه عن مواضعه .

1903 - حدثنا عمرو قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا الحكم بن عطية ، سمعت قتادة يقول : ( يتلونه حق تلاوته ) قال : يتبعونه حق اتباعه . قال : اتباعه : يحلون حلاله ويحرمون حرامه ، ويقرأونه كما أنزل .

1904 - حدثنا المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم عن داود ، عن عكرمة في قوله : ( يتلونه حق تلاوته ) ، قال : يتبعونه حق اتباعه ، أما سمعت قول الله عز وجل : ( والقمر إذا تلاها ) [ سورة الشمس : 2 ] ، قال : إذا تبعها .

وقال آخرون : ( يتلونه حق تلاوته ) ، يقرأونه حق قراءته .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في تأويل ذلك أنه بمعنى : يتبعونه حق اتباعه ، من قول القائل : ما زلت أتلو أثره ، إذا اتبع أثره ، لإجماع الحجة من أهل التأويل على أن ذلك تأويله . [ ص: 570 ]

وإذ كان ذلك تأويله ، فمعنى الكلام : الذين آتيناهم الكتاب ، يا محمد من أهل التوراة الذين آمنوا بك وبما جئتهم به من الحق من عندي ، يتبعون كتابي الذي أنزلته على رسولي موسى صلوات الله عليه ، فيؤمنون به ويقرون بما فيه من نعتك وصفتك ، وأنك رسولي ، فرض عليهم طاعتي في الإيمان بك والتصديق بما جئتهم به من عندي ، ويعملون بما أحللت لهم ، ويجتنبون ما حرمت عليهم فيه ، ولا يحرفونه عن مواضعه ولا يبدلونه ولا يغيرونه - كما أنزلته عليهم - بتأويل ولا غيره .

أما قوله : ( حق تلاوته ) ، فمبالغة في صفة اتباعهم الكتاب ولزومهم العمل به ، كما يقال : "إن فلانا لعالم حق عالم" ، وكما يقال : "إن فلانا لفاضل كل فاضل"

وقد اختلف أهل العربية في إضافة "حق" إلى المعرفة ، فقال بعض نحويي الكوفة : غير جائزة إضافته إلى معرفة لأنه بمعنى "أي" ، وبمعنى قولك : "أفضل رجل فلان" ، و"أفعل" لا يضاف إلى واحد معرفة؛ لأنه مبعض ، ولا يكون الواحد المبعض معرفة؛ فأحالوا أن يقال : "مررت بالرجل حق الرجل" ، و"مررت بالرجل جد الرجل" ، كما أحالوا "مررت بالرجل أي الرجل" ، وأجازوا ذلك في "كل الرجل" و"عين الرجل" و"نفس الرجل" . وقالوا : إنما أجزنا ذلك لأن هذه الحروف كانت في الأصل توكيدا ، فلما صرن مدوحا ، تركن مدوحا على أصولهن في المعرفة .

وزعموا أن قوله : ( يتلونه حق تلاوته ) ، إنما جازت إضافته إلى التلاوة ، وهي مضافة إلى معرفة؛ لأن العرب تعتد ب "الهاء" - إذا عادت إلى نكرة - بالنكرة ، فيقولون : "مررت برجل واحد أمه ، ونسيج وحده ، وسيد قومه" ، قالوا : فكذلك قوله : ( حق تلاوته ) ، إنما جازت إضافة "حق" إلى "التلاوة" وهي مضافة إلى [ ص: 571 ] "الهاء" ، لاعتداد العرب ب "الهاء" التي في نظائرها في عداد النكرات . قالوا : ولو كان ذلك "حق التلاوة" ، لوجب أن يكون جائزا : "مررت بالرجل حق الرجل" .

فعلى هذا القول تأويل الكلام : الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوة .

وقال بعض نحويي البصرة : جائزة إضافة "حق" إلى النكرات مع النكرات ، ومع المعارف إلى المعارف ، وإنما ذلك نظير قول القائل : "مررت بالرجل غلام الرجل" ، و"برجل غلام رجل" .

فتأويل الآية على قول هؤلاء : الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته

وأولى ذلك بالصواب عندنا القول الأول؛ لأن معنى قوله : ( حق تلاوته ) ، أي تلاوة ، بمعنى مدح التلاوة التي تلوها وتفضيلها . "وأي" غير جائزة إضافتها إلى واحد معرفة عند جميعهم . وكذلك "حق" غير جائزة إضافتها إلى واحد معرفة .

وإنما أضيف في ( حق تلاوته ) إلى ما فيه "الهاء" لما وصفت علة التي تقدم بيانها .

التالي السابق


الخدمات العلمية