القول في تأويل قوله تعالى : ( فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون  ( 40 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : فأخذنا جميع هذه الأمم التي ذكرناها لك يا 
محمد  بعذابنا  
[ ص: 36 ]  ( 
فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا  ) وهم قوم 
لوط  الذين أمطر الله عليهم حجارة من سجيل منضود ، والعرب تسمي الريح العاصف التي فيها الحصى الصغار أو الثلج أو البرد والجليد حاصبا ، ومنه قول 
الأخطل   : 
ولقد علمت إذا العشار تروحت هدج الرئال يكبهن شمالا     ترمي العضاه بحاصب من ثلجها 
حتى يبيت على العضاه جفالا 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق   : 
مستقبلين شمال الشأم تضربنا     بحاصب كنديف القطن منثور 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
القاسم  قال : ثنا 
الحسين  قال : ثني 
حجاج ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  قال : قال 
ابن عباس   : ( 
فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا  ) قوم 
لوط   . 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة   ( 
فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا  ) وهم قوم 
لوط   ( 
ومنهم من أخذته الصيحة  ) . 
اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بذلك ، فقال بعضهم : هم 
ثمود  قوم 
صالح   . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
القاسم  قال : ثنا 
الحسين  قال : ثني 
حجاج ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  قال : قال 
ابن عباس   : ( 
ومنهم من أخذته الصيحة  ) 
ثمود .  
وقال آخرون : بل هم قوم 
شعيب .  
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة   ( 
ومنهم من أخذته الصيحة  ) قوم 
شعيب .   [ ص: 37 ] 
والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله قد أخبر عن 
ثمود  وقوم 
شعيب  من أهل 
مدين  أنه أهلكهم بالصيحة في كتابه في غير هذا الموضع ، ثم قال جل ثناؤه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : فمن الأمم التي أهلكناهم من أرسلنا عليهم حاصبا ، ( 
ومنهم من أخذته الصيحة  ) ، فلم يخصص الخبر بذلك عن بعض من أخذته الصيحة من الأمم دون بعض ، وكلا الأمتين أعني 
ثمود  ومدين قد أخذتهم الصيحة . وقوله : ( 
ومنهم من خسفنا به الأرض  ) يعني بذلك 
قارون .  
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
القاسم  قال : ثنا 
الحسين  قال : ثني 
حجاج ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  قال : قال 
ابن عباس   : ( 
ومنهم من خسفنا به الأرض  ) قارون ( 
ومنهم من أغرقنا  ) يعني : قوم 
نوح  وفرعون  وقومه . 
واختلف أهل التأويل في ذلك ، فقال بعضهم : عنى بذلك : قوم 
نوح  عليه السلام . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
القاسم  قال : ثنا 
الحسين  قال : ثني 
حجاج ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  قال : قال 
ابن عباس   : ( 
ومنهم من أغرقنا  ) قوم 
نوح .  
وقال آخرون : بل هم قوم 
فرعون .  
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة   ( 
ومنهم من أغرقنا  ) قوم 
فرعون .  
والصواب من القول في ذلك ، أن يقال : عني به قوم 
نوح  وفرعون  وقومه ؛ لأن الله لم يخصص بذلك إحدى الأمتين دون الأخرى ، وقد كان أهلكهما قبل نزول هذا الخبر عنهما ، فهما معنيتان به . 
وقوله : ( 
وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون  ) يقول - تعالى ذكره - : ولم يكن الله ليهلك هؤلاء الأمم الذين أهلكهم ، بذنوب غيرهم ، فيظلمهم بإهلاكه إياهم بغير استحقاق ، بل إنما أهلكهم بذنوبهم ، وكفرهم بربهم ، وجحودهم نعمه عليهم ،  
[ ص: 38 ] مع تتابع إحسانه عليهم ، وكثرة أياديه عندهم ، ( 
ولكن كانوا أنفسهم يظلمون  ) بتصرفهم في نعم ربهم ، وتقلبهم في آلائه وعبادتهم غيره ، ومعصيتهم من أنعم عليهم .