القول في تأويل قوله تعالى : ( ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون  ( 14 ) 
فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون  ( 15 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : ويوم تجيء الساعة التي يحشر فيها الخلق إلى الله يومئذ ، يقول في ذلك اليوم ( يتفرقون ) يعني : يتفرق أهل الإيمان بالله ، وأهل الكفر به ، فأما أهل الإيمان ، فيؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة ، وأما أهل الكفر فيؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار ، فهنالك يميز الله الخبيث من الطيب . 
كما حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة  في قوله : ( 
ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون  ) قال : فرقة والله ، لا اجتماع بعدها ( 
فأما الذين آمنوا  ) بالله ورسوله ( 
وعملوا الصالحات  ) يقول : وعملوا بما أمرهم الله به ، وانتهوا عما نهاهم عنه ( 
فهم في روضة يحبرون  ) يقول : فهم في الرياحين والنباتات الملتفة ، وبين أنواع الزهر في الجنان يسرون ، ويلذذون بالسماع وطيب العيش الهني ، وإنما خص جل ثناؤه ذكر الروضة في هذا الموضع ، لأنه لم يكن عند الطرفين أحسن منظرا ، ولا أطيب نشرا من الرياض ، ويدل على أن ذلك كذلك قول 
أعشى بني ثعلبة   : 
ما روضة من رياض الحسن معشبة خضراء جاد عليها مسبل هطل     يضاحك الشمس منها كوكب شرق 
مؤزر بعميم النبت مكتهل     يوما بأطيب منها نشر رائحة 
ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل 
 [ ص: 82 ] 
فأعلمهم بذلك تعالى ، أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات من المنظر الأنيق ، واللذيذ من الأراييح ، والعيش الهني فيما يحبون ، ويسرون به ، ويغبطون عليه . و ( الحبرة ) عند العرب : السرور والغبطة ، قال 
العجاج   : 
فالحمد لله الذي أعطى الحبر     موالي الحق إن المولى شكر 
واختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : فهم في روضة يكرمون . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
علي  قال : ثنا 
أبو صالح  قال : ثني 
معاوية ،  عن 
علي ،  عن 
ابن عباس  قوله : ( 
فهم في روضة يحبرون  ) قال : يكرمون . 
وقال آخرون : معناه : ينعمون . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
محمد بن عمرو  قال : ثنا 
أبو عاصم  قال : ثنا 
عيسى ،  وحدثني 
الحارث  قال : ثنا 
الحسن  قال : ثنا 
ورقاء ،  جميعا عن 
ابن أبي نجيح ،  عن 
مجاهد  في قوله : ( يحبرون ) قال : ينعمون . 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة  في قوله : ( 
فهم في روضة يحبرون  ) قال : ينعمون  . 
وقال آخرون : يلذذون بالسماع والغناء . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
محمد بن موسى الحرسي  قال : ثني 
عامر بن يساف  قال : سألت 
 nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير ،  عن قول الله : ( 
فهم في روضة يحبرون  ) قال : الحبرة : اللذة والسماع .  
[ ص: 83 ] 
حدثنا 
عبيد الله بن محمد الفريابي  قال : ثنا 
ضمرة بن ربيعة ،  عن 
الأوزاعي ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير  في قوله : ( يحبرون ) قال : السماع في الجنة . 
حدثنا 
ابن وكيع  قال : ثنا 
عيسى بن يونس ،  عن 
الأوزاعي ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير  مثله . 
حدثنا 
ابن وكيع  قال : ثنا أبي ، عن 
عامر بن يساف ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير  مثله . 
وكل هذه الألفاظ التي ذكرنا عمن ذكرناها عنه تعود إلى معنى ما قلنا .