القول في تأويل قوله تعالى : ( ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون  ( 24 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : ومن حججه ( 
يريكم البرق خوفا  ) لكم إذا كنتم سفرا ، أن  
[ ص: 88 ] تمطروا فتتأذوا به ( وطمعا ) لكم ، إذا كنتم في إقامة ، أن تمطروا ، فتحيوا وتخصبوا ( 
وينزل من السماء ماء  ) يقول : 
وينزل من السماء مطرا ، فيحيي بذلك الماء الأرض الميتة ؛ فتنبت ويخرج زرعها بعد موتها ، يعني جدوبها ودروسها ( 
إن في ذلك لآيات  ) يقول : إن في فعله ذلك كذلك لعبرا وأدلة ( لقوم يعقلون ) عن الله حججه وأدلته . 
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : ( 
يريكم البرق خوفا وطمعا  ) قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة ،  في قوله : ( 
ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا  ) قال : خوفا للمسافر ، وطمعا للمقيم . واختلف أهل العربية في وجه سقوط " أن " في قوله : ( 
يريكم البرق خوفا وطمعا  ) فقال بعض نحويي 
البصرة   : لم يذكر هاهنا " أن " ؛ لأن هذا يدل على المعنى ، وقال الشاعر : 
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي 
قال : وقال : 
لو قلت ما في قومها لم تيثم     يفضلها في حسب وميسم 
 [ ص: 89 ] 
وقال : يريد ما في قومها أحد ، وقال بعض نحويي 
الكوفيين   : إذا أظهرت " أن " فهي في موضع رفع ، كما قال : ( 
ومن آياته خلق السموات والأرض ومنامكم  ) فإذا حذفت جعلت ( من ) مؤدية عن اسم متروك ، يكون الفعل صلة ، كقول الشاعر : 
وما الدهر إلا تارتان فمنهما     أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح 
كأنه أراد : فمنهما ساعة أموتها ، وساعة أعيشها ، وكذلك : ( 
ومن آياته يريكم  ) آية البرق ، وآية لكذا ، وإن شئت أردت : ويريكم من آياته البرق ، فلا تضمر " أن " ولا غيره . وقال بعض من أنكر قول 
البصري   : إنما ينبغي أن تحذف " أن " من الموضع الذي يدل على حذفها ، فأما في كل موضع فلا فأما مع أحضر الوغى ، فلما كان : زجرتك أن تقوم ، وزجرتك لأن تقوم ، يدل على الاستقبال جاز حذف " أن " ؛ لأن الموضع معروف لا يقع في كل الكلام ، فأما قوله : ومن آياته أنك قائم ، وأنك تقوم ، وأن تقوم ، فهذا الموضع لا يحذف ، لأنه لا يدل على شيء واحد . 
والصواب من القول في ذلك أن " من " في قوله : ( ومن آياته ) تدل على المحذوف ، وذلك أنها تأتي بمعنى التبعيض . وإذا كانت كذلك ، كان معلوما أنها تقتضي البعض ، فلذلك تحذف العرب معها الاسم ؛ لدلالتها عليه .