1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة لقمان
  4. القول في تأويل قوله تعالى " ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم "
صفحة جزء
[ ص: 126 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين ( 6 ) )

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) فقال بعضهم : من يشتري الشراء المعروف بالثمن ، ورووا بذلك خبرا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وهو ما حدثنا أبو كريب قال : ثنا وكيع ، عن خلاد الصفار ، عن عبيد الله بن زحر ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يحل بيع المغنيات ، ولا شراؤهن ، ولا التجارة فيهن ، ولا أثمانهن ، وفيهن نزلت هذه الآية : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) .

حدثنا ابن وكيع قال : ثني أبي ، عن خلاد الصفار ، عن عبيد الله بن زحر ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحوه . إلا أنه قال : " أكل ثمنهن حرام " وقال أيضا : " وفيهن أنزل الله علي هذه الآية : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله ) .

حدثني عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني قال : ثنا أبي قال : ثنا سليمان بن حيان ، عن عمرو بن قيس الكلابي ، عن أبي المهلب ، عن عبيد الله بن زحر ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة . قال : وثنا إسماعيل بن عياش ، عن مطرح بن يزيد ، عن عبيد الله بن زحر ، عن علي بن زيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة الباهلي قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا يحل تعليم المغنيات ، ولا بيعهن ولا شراؤهن ، وثمنهن حرام ، وقد نزل تصديق ذلك في كتاب الله ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) إلى آخر الآية " .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : من يختار لهو الحديث ويستحبه .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ) والله لعله أن لا ينفق فيه مالا ، [ ص: 127 ] ولكن اشتراؤه استحبابه ، بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق ، وما يضر على ما ينفع .

حدثني محمد بن خلف العسقلاني قال : ثنا أيوب بن سويد قال : ثنا ابن شوذب ، عن مطر في قول الله : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) قال : اشتراؤه : استحبابه .

وأولى التأويلين عندي بالصواب تأويل من قال : معناه : الشراء الذي هو بالثمن ؛ وذلك أن ذلك هو أظهر معنييه .

فإن قال قائل : وكيف يشتري لهو الحديث ؟ قيل : يشتري ذات لهو الحديث ، أو ذا لهو الحديث ، فيكون مشتريا لهو الحديث .

وأما الحديث فإن أهل التأويل اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : هو الغناء والاستماع له .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني يزيد بن يونس ، عن أبي صخر ، عن أبي معاوية البجلي ، عن سعيد بن جبير ، عن أبي الصهباء البكري أنه سمع عبد الله بن مسعود وهو يسأل عن هذه الآية : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ) فقال عبد الله : الغناء والذي لا إله إلا هو ، يرددها ثلاث مرات .

حدثنا عمرو بن علي قال : ثنا صفوان بن عيسى قال : أخبرنا حميد الخراط ، عن عمار ، عن سعيد بن جبير ، عن أبي الصهباء ، أنه سأل ابن مسعود ، عن قول الله ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) قال : الغناء .

حدثنا أبو كريب قال : ثنا علي بن عابس ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) قال : الغناء .

حدثنا عمرو بن علي قال : ثنا عمران بن عيينة قال : ثنا عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) قال : [ ص: 128 ] الغناء وأشباهه .

حدثنا ابن وكيع ، والفضل بن الصباح ، قالا : ثنا محمد بن فضيل ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) قال : هو الغناء ونحوه .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام بن سلم ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله .

حدثنا الحسين بن عبد الرحمن الأنماطي قال : ثنا عبيد الله قال : ثنا ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس قال : هو الغناء والاستماع له . يعني قوله : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) .

حدثنا الحسن بن عبد الرحيم قال : ثنا عبيد الله بن موسى قال : ثنا سفيان ، عن قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه ، عن جابر في قوله : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) قال : هو الغناء والاستماع له .

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا أبي ، عن ابن أبي ليلى ، عن الحكم أو مقسم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : شراء المغنية .

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا حفص والمحاربي ، عن ليث ، عن الحكم ، عن ابن عباس قال : الغناء .

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله ) قال : باطل الحديث هو الغناء ونحوه .

حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن حبيب ، عن مجاهد ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) قال : الغناء .

حدثنا ابن المثنى قال : ثنا محمد بن جعفر وعبد الرحمن بن مهدي ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد أنه قال في هذه الآية : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) قال : الغناء .

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن حبيب ، عن مجاهد قال : الغناء .

قال : ثنا أبي ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد مثله . [ ص: 129 ]

حدثنا أبو كريب قال : ثنا الأشجعي ، عن سفيان ، عن عبد الكريم ، عن مجاهد ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) قال : هو الغناء ، وكل لعب لهو .

حدثنا الحسين بن عبد الرحمن الأنماطي قال : ثنا علي بن حفص الهمداني قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) قال : الغناء والاستماع له وكل لهو .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) قال : المغني والمغنية بالمال الكثير ، أو استماع إليه ، أو إلى مثله من الباطل .

حدثني يعقوب وابن وكيع قالا : ثنا ابن علية ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) قال : هو الغناء أو الغناء منه ، أو الاستماع له .

حدثنا أبو كريب قال : ثنا عثام بن علي ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن شعيب بن يسار ، عن عكرمة قال : ( لهو الحديث ) : الغناء .

حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري قال : ثنا عثام ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن شعيب بن يسار . هكذا قال عكرمة ، عن عبيد مثله .

حدثنا الحسين بن الزبرقان النخعي قال : ثنا أبو أسامة وعبيد الله ، عن أسامة ، عن عكرمة في قوله : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) قال : الغناء .

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا أبي ، عن أسامة بن زيد ، عن عكرمة قال : الغناء .

وقال آخرون : عنى باللهو : الطبل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني عباس بن محمد قال : ثنا حجاج الأعور ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : اللهو : الطبل .

وقال آخرون : عنى بلهو الحديث : الشرك .

ذكر من قال ذلك :

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) يعني : الشرك . [ ص: 130 ]

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا ) قال : هؤلاء أهل الكفر ، ألا ترى إلى قوله : ( وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا ) فليس هكذا أهل الإسلام . قال : وناس يقولون : هي فيكم وليس كذلك ، قال : وهو الحديث الباطل الذي كانوا يلغون فيه .

والصواب من القول في ذلك أن يقال : عنى به كل ما كان من الحديث ملهيا عن سبيل الله مما نهى الله عن استماعه أو رسوله ؛ لأن الله تعالى عم بقوله : ( لهو الحديث ) ولم يخصص بعضا دون بعض ، فذلك على عمومه حتى يأتي ما يدل على خصوصه ، والغناء والشرك من ذلك .

وقوله : ( ليضل عن سبيل الله ) يقول : ليصد ذلك الذي يشتري من لهو الحديث عن دين الله وطاعته ، وما يقرب إليه من قراءة قرآن وذكر الله .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( ليضل عن سبيل الله ) قال : سبيل الله قراءة القرآن ، وذكر الله إذا ذكره ، وهو رجل من قريش اشترى جارية مغنية .

وقوله : ( بغير علم ) يقول : فعل ما فعل من اشترائه لهو الحديث جهلا منه بما له في العاقبة عند الله من وزر ذلك وإثمه . وقوله : ( ويتخذها هزوا ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة : ( ويتخذها ) رفعا عطفا به على قوله : " يشتري " كأن معناه عندهم : ومن الناس من يشتري لهو الحديث ، ويتخذ آيات الله هزوا . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة : ( ويتخذها ) نصبا عطفا على " يضل " بمعنى : ليضل عن سبيل الله ، وليتخذها هزوا .

والصواب من القول في ذلك : أنهما قراءتان معروفتان في قراء الأمصار ، متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب في قراءته . والهاء والألف في قوله : ( ويتخذها ) من ذكر سبيل الله . [ ص: 131 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : ( ويتخذها هزوا ) قال : سبيل الله .

وقال آخرون : بل ذلك من ذكر آيات الكتاب .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قال : بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق ، وما يضر على ما ينفع . " ويتخذها هزوا " يستهزئ بها ويكذب بها . وهما من أن يكونا من ذكر سبيل الله أشبه عندي لقربهما منها ، وإن كان القول الآخر غير بعيد من الصواب . واتخاذه ذلك هزوا هو استهزاؤه به .

وقوله : ( أولئك لهم عذاب مهين ) يقول - تعالى ذكره - : هؤلاء - الذين وصفنا أنهم يشترون لهو الحديث ليضلوا عن سبيل الله - لهم يوم القيامة عذاب مذل مخز في نار جهنم .

التالي السابق


الخدمات العلمية