صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور ( 18 ) )

اختلفت القراء في قراءة قوله : ( ولا تصعر ) فقرأه بعض قراء الكوفة والمدنيين والكوفيين : ( ولا تصعر ) على مثال ( تفعل ) . وقرأ ذلك بعض المكيين وعامة قراء المدينة والكوفة والبصرة ( ولا تصاعر ) على مثال ( تفاعل ) .

والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . وتأويل الكلام : ولا تعرض بوجهك عمن كلمته تكبرا واستحقارا لمن تكلمه ، وأصل ( الصعر ) داء يأخذ الإبل في أعناقها أو رءوسها حتى تلفت أعناقها عن رءوسها ، فيشبه به الرجل المتكبر على الناس ، ومنه قول عمرو بن حني التغلبي :


وكنا إذا الجبار صعر خده أقمنا له من ميله فتقوما

[ ص: 144 ]

واختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا عبد الله قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ( ولا تصعر خدك للناس ) يقول : ولا تتكبر ؛ فتحقر عباد الله ، وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك .

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( ولا تصعر خدك للناس ) يقول : لا تعرض بوجهك عن الناس تكبرا .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( ولا تصعر ) قال : الصدود والإعراض بالوجه عن الناس .

حدثني علي بن سهل قال : ثنا زيد بن أبي الزرقاء ، عن جعفر بن برقان ، عن يزيد في هذه الآية ( ولا تصعر خدك للناس ) قال : إذا كلمك الإنسان لويت وجهك ، وأعرضت عنه محقرة له .

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا خالد بن حيان الرقي ، عن جعفر بن ميمون بن مهران قال : هو الرجل يكلم الرجل فيلوي وجهه .

حدثنا عبد الرحمن بن الأسود قال : ثنا محمد بن ربيعة قال : ثنا أبو مكين ، عن عكرمة في قوله : ( ولا تصعر خدك للناس ) قال : لا تعرض بوجهك .

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( ولا تصعر خدك للناس ) يقول : لا تعرض عن الناس ، يقول : أقبل على الناس بوجهك وحسن خلقك .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( ولا تصعر خدك للناس ) قال : تصعير الخد : التجبر والتكبر على الناس ومحقرتهم .

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا أبي ، عن أبي مكين ، عن عكرمة قال : الإعراض .

وقال آخرون : إنما نهاه عن ذلك أن يفعله لمن بينه وبينه صعر ، لا على وجه التكبر . [ ص: 145 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ( ولا تصعر خدك للناس ) قال : الرجل يكون بينه وبين أخيه الحنة ، فيراه فيعرض عنه .

حدثنا ابن بشار قال : ثنا أبو أحمد قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله : ( ولا تصعر خدك للناس ) قال : هو الرجل بينه وبين أخيه حنة فيعرض عنه .

وقال آخرون : هو التشديق .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع قال : ثني أبي ، عن جعفر الرازي ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : هو التشديق .

حدثنا ابن بشار قال : ثنا أبو أحمد قال : ثنا سفيان ، عن المغيرة ، عن إبراهيم قال : هو التشديق أو التشدق " الطبري يشك " .

حدثنا يحيى بن طلحة قال : ثنا فضيل بن عياض ، عن منصور ، عن إبراهيم ، بمثله .

وقوله : ( ولا تمش في الأرض مرحا ) يقول : ولا تمش في الأرض مختالا .

كما حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( ولا تمش في الأرض مرحا ) يقول : بالخيلاء .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور ) قال : نهاه عن التكبر ، قوله : ( إن الله لا يحب كل مختال ) متكبر ذي فخر .

كما حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( كل مختال فخور ) قال : متكبر . وقوله : ( فخور ) قال : يعدد ما أعطى الله ، وهو لا يشكر الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية