صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ( 18 ) أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون ( 19 ) وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ( 20 ) )

يقول - تعالى ذكره - : أفهذا الكافر المكذب بوعد الله ووعيده ، المخالف أمر الله ونهيه ، كهذا المؤمن بالله ، والمصدق بوعده ووعيده ، المطيع له في أمره ونهيه ، كلا لا يستوون عند الله يقول : لا يعتدل الكفار بالله ، والمؤمنون به عنده ، فيما هو فاعل بهم يوم القيامة . وقال : ( لا يستوون ) فجمع ، وإنما ذكر قبل ذلك اثنين : مؤمنا وفاسقا ؛ لأنه لم يرد بالمؤمن : مؤمنا واحدا ، وبالفاسق : فاسقا واحدا ، وإنما أريد به : جميع الفساق ، وجميع المؤمنين بالله . فإذا كان الاثنان غير مصمود لهما ذهبت لهما العرب مذهب الجمع .

وذكر أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب ، رضوان الله عليه ، والوليد بن عقبة .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة بن الفضل قال : ثني ابن إسحاق ، عن بعض أصحابه ، عن عطاء بن يسار قال : نزلت بالمدينة ، في علي بن أبي طالب ، والوليد [ ص: 188 ] بن عقبة بن أبي معيط كان بين الوليد وبين علي كلام ، فقال الوليد بن عقبة : أنا أبسط منك لسانا ، وأحد منك سنانا ، وأرد منك للكتيبة ، فقال علي : اسكت ، فإنك فاسق ، فأنزل الله فيهما : ( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ) إلى قوله : ( به تكذبون ) .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ) قال : لا والله ما استووا في الدنيا ، ولا عند الموت ، ولا في الآخرة .

وقوله : ( أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى ) يقول - تعالى ذكره - : أما الذين صدقوا الله ورسوله ، وعملوا بما أمرهم الله ورسوله ، فلهم جنات المأوى : يعني بساتين المساكن التي يسكنونها في الآخرة ويأوون إليها . وقوله : ( نزلا بما كانوا يعملون ) يقول : نزلا بما أنزلهموها جزاء منه لهم بما كانوا يعملون في الدنيا بطاعته . وقوله : ( وأما الذين فسقوا ) يقول - تعالى ذكره - : وأما الذين كفروا بالله ، وفارقوا طاعته ( فمأواهم النار ) يقول : فمساكنهم التي يأوون إليها في الآخرة النار ( كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به ) في الدنيا ( تكذبون ) أن الله أعدها لأهل الشرك به .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وأما الذين فسقوا ) أشركوا ( وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ) والقوم مكذبون كما ترون .

التالي السابق


الخدمات العلمية