صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين ( 28 ) قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون ( 29 ) فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون ( 30 ) )

يقول - تعالى ذكره - : ( ويقولون ) هؤلاء المشركون بالله يا محمد ، لك : ( متى هذا الفتح ) واختلف في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معناه : متى يجيء هذا الحكم بيننا وبينكم ، ومتى يكون هذا الثواب والعقاب .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : ( ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين ) قال : قال أصحاب نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : إن لنا يوما أوشك أن نستريح فيه وننعم فيه . فقال المشركون : ( متى هذا الفتح إن كنتم صادقين ) .

وقال آخرون : بل عنى بذلك فتح مكة .

والصواب من القول في ذلك قول من قال : معناه : ويقولون : متى يجيء هذا الحكم بيننا وبينكم ، يعنون العذاب ، يدل على أن ذلك معناه قوله : ( قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون ) ولا شك أن الكفار قد كان جعل الله لهم التوبة قبل فتح مكة وبعده ، ولو كان معنى قوله : ( متى هذا الفتح ) على ما قاله من قال : يعني به فتح مكة ، لكان لا توبة لمن أسلم من المشركين بعد فتح مكة ، ولا شك أن الله قد تاب على بشر كثير من المشركين بعد فتح مكة ، ونفعهم بالإيمان به وبرسوله ، فمعلوم بذلك صحة ما قلنا من التأويل ، وفساد ما خالفه . وقوله : ( إن كنتم صادقين ) يعني : إن كنتم صادقين في الذي تقولون ، من أنا معاقبون على تكذيبنا محمدا - صلى الله عليه وسلم - ، وعبادتنا الآلهة والأوثان . [ ص: 199 ]

وقوله : ( قل يوم الفتح ) يقول لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : قل يا محمد لهم : يوم الحكم ، ومجيء العذاب لا ينفع من كفر بالله وبآياته إيمانهم الذي يحدثونه في ذلك الوقت .

كما حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ) قال : يوم الفتح إذا جاء العذاب

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( يوم الفتح ) يوم القيامة ، ونصب اليوم في قوله : ( قل يوم الفتح ) ردا على متى ، وذلك أن ( متى ) في موضع نصب . ومعنى الكلام : أنى حين هذا الفتح إن كنتم صادقين ؟ ثم قيل : يوم كذا ، وبه قرأ القراء .

وقوله : ( ولا هم ينظرون ) يقول : ولا هم يؤخرون للتوبة والمراجعة . وقوله : ( فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون ) يقول لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : فأعرض يا محمد عن هؤلاء المشركين بالله ، القائلين لك : متى هذا الفتح ، المستعجليك بالعذاب ، وانتظر ما الله صانع بهم ، إنهم منتظرون ما تعدهم من العذاب ومجيء الساعة .

كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون ) يعني يوم القيامة .

آخر تفسير سورة السجدة ، ولله الحمد والمنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية