صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( والعاكفين )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "والعاكفين" ، والمقيمين به . "والعاكف على الشيء" ، هو المقيم عليه ، كما قال نابغة بني ذبيان :


عكوفا لدى أبياتهم يثمدونهم رمى الله في تلك الأكف الكوانع

[ ص: 42 ]

وإنما قيل للمعتكف"معتكف" ، من أجل مقامه في الموضع الذي حبس فيه نفسه لله تعالى .

ثم اختلف أهل التأويل في من عنى الله بقوله : "والعاكفين" .

فقال بعضهم : عنى به الجالس في البيت الحرام بغير طواف ولا صلاة .

ذكر من قال ذلك :

2019 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن أبي بكر الهذلي ، عن عطاء قال : إذا كان طائفا بالبيت فهو من الطائفين ، وإذا كان جالسا فهو من العاكفين .

وقال بعضهم : "العاكفون" ، هم المعتكفون المجاورون .

ذكر من قال ذلك :

2020 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا شريك ، عن جابر ، عن مجاهد وعكرمة : "طهرا بيتي للطائفين والعاكفين" قال : المجاورون .



وقال بعضهم : "العاكفون" ، هم أهل البلد الحرام .

ذكر من قال ذلك :

2021 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدثنا [ ص: 43 ] أبو حصين ، عن سعيد بن جبير في قوله : "والعاكفين" قال : أهل البلد .

2022 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "والعاكفين" قال : العاكفون : أهله .

وقال آخرون : "العاكفون" ، هم المصلون .

ذكر من قال ذلك :

2023 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس في قوله : "طهرا بيتي للطائفين والعاكفين" قال : العاكفون : المصلون .

قال أبو جعفر : وأولى هذه التأويلات بالصواب ما قاله عطاء ، وهو أن "العاكف" في هذا الموضع ، المقيم في البيت مجاورا فيه بغير طواف ولا صلاة . لأن صفة "العكوف" ما وصفنا : من الإقامة بالمكان . والمقيم بالمكان قد يكون مقيما به وهو جالس ومصل وطائف وقائم ، وعلى غير ذلك من الأحوال . فلما كان تعالى ذكره قد ذكر - في قوله : " أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود - المصلين والطائفين ، علم بذلك أن الحال التي عنى الله تعالى ذكره من "العاكف" ، غير حال المصلي والطائف ، وأن التي عنى من أحواله ، هو العكوف بالبيت ، على سبيل الجوار فيه ، وإن لم يكن مصليا فيه ولا راكعا ولا ساجدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية