القول في تأويل قوله تعالى : ( 
ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما  ( 5 ) )  
[ ص: 207 ] 
يقول الله - تعالى ذكره - : انسبوا أدعياءكم الذين ألحقتم أنسابهم بكم لآبائهم ، يقول لنبيه 
محمد   - صلى الله عليه وسلم - : ألحق نسب 
زيد  بأبيه 
حارثة ،  ولا تدعه 
زيد ابن محمد   . وقوله : ( 
هو أقسط عند الله  ) يقول : دعاؤكم إياهم لآبائهم هو أعدل عند الله ، وأصدق وأصوب من دعائكم إياهم لغير آبائهم ونسبتكموهم إلى من تبناهم وادعاهم وليسوا له بنين . 
كما حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن قتادة  قوله : ( 
ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله  ) : أي أعدل عند الله ، وقوله : ( 
فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم  ) يقول - تعالى ذكره - : فإن أنتم أيها الناس لم تعلموا آباء أدعيائكم من هم فتنسبوهم إليهم ، ولم تعرفوهم ، فتلحقوهم بهم ، ( 
فإخوانكم في الدين  ) يقول : فهم إخوانكم في الدين ، إن كانوا من أهل ملتكم ، ومواليكم إن كانوا محرريكم وليسوا ببنيكم . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة   ( 
ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله  ) : أي أعدل عند الله ( 
فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم  ) فإن لم تعلموا من أبوه فإنما هو أخوك ومولاك . 
حدثني 
يعقوب  قال : ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ،  عن 
عيينة بن عبد الرحمن ،  عن أبيه ، قال : قال 
أبو بكرة   : قال الله : ( 
ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم  ) فأنا ممن لا يعرف أبوه ، وأنا من إخوانكم في الدين ، قال : قال أبي : والله إني لأظنه لو علم أن أباه كان حمارا لانتمى إليه . 
وقوله : ( 
وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به  ) يقول : ولا حرج عليكم ولا وزر في خطأ يكون منكم في نسبة بعض من تنسبونه إلى أبيه ، وأنتم ترونه ابن من ينسبونه إليه ، وهو ابن لغيره ( 
ولكن ما تعمدت قلوبكم  ) يقول : ولكن الإثم والحرج عليكم في نسبتكموه إلى غير أبيه ، وأنتم تعلمونه ابن غير من تنسبونه إليه . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .  
[ ص: 208 ] 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة   ( 
وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به  ) يقول : إذا دعوت الرجل لغير أبيه ، وأنت ترى أنه كذلك ( 
ولكن ما تعمدت قلوبكم  ) يقول الله : لا تدعه لغير أبيه متعمدا . أما الخطأ فلا يؤاخذكم الله به ( ولكن يؤاخذ كم بما تعمدت قلوبكم ) . 
حدثني 
محمد بن عمرو  قال : ثنا 
أبو عاصم  قال : ثنا 
عيسى ،  وحدثني 
الحارث  قال : ثنا 
الحسن  قال : ثنا 
ورقاء ،  جميعا عن 
ابن أبي نجيح ،  عن 
مجاهد   ( 
تعمدت قلوبكم  ) قال : فالعمد ما أتى بعد البيان والنهي في هذا وغيره ، و " ما " التي في قوله : ( 
ولكن ما تعمدت قلوبكم  ) خفض ردا على " ما " التي في قوله : ( 
فيما أخطأتم به  ) وذلك أن معنى الكلام : ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ، ولكن فيما تعمدت قلوبكم . 
وقوله : ( 
وكان الله غفورا رحيما  ) يقول الله - تعالى ذكره - : وكان الله ذا ستر على ذنب من ظاهر زوجته فقال الباطل والزور من القول ، وذم من ادعى ولد غيره ابنا له ، إذا تابا وراجعا أمر الله ، وانتهيا عن قيل الباطل بعد أن نهاهما ربهما عنه ، ذا رحمة بهما أن يعاقبهما على ذلك بعد توبتهما من خطيئتهما .