صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا ( 20 ) ) [ ص: 234 ]

يقول - تعالى ذكره - : يحسب هؤلاء المنافقون الأحزاب ، وهم قريش وغطفان .

كما حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : ثني يزيد بن رومان ( يحسبون الأحزاب لم يذهبوا ) : قريش وغطفان .

وقوله : ( لم يذهبوا ) يقول : لم ينصرفوا ، وإن كانوا قد انصرفوا جبنا وهلعا منهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( يحسبون الأحزاب لم يذهبوا ) قال : يحسبونهم قريبا .

وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله ( يحسبون الأحزاب قد ذهبوا فإذا وجدوهم لم يذهبوا ودوا لو أنهم بادون في الأعراب ) .

وقوله : ( وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب ) يقول - تعالى ذكره - : وإن يأت المؤمنين الأحزاب وهم الجماعة : واحدهم حزب ( يودوا ) يقول : يتمنوا من الخوف والجبن أنهم غيب عنكم في البادية مع الأعراب خوفا من القتل . وذلك أن قوله : ( لو أنهم بادون في الأعراب ) تقول : قد بدا فلان إذا صار في البدو فهو يبدو ، وهو باد ؛ وأما الأعراب : فإنهم جمع أعرابي ، وواحد العرب عربي ، وإنما قيل : أعرابي لأهل البدو ، فرقا بين أهل البوادي والأمصار ، فجعل الأعراب لأهل البادية ، والعرب لأهل المصر .

وقوله : ( يسألون عن أنبائكم ) يقول : يستخبر هؤلاء المنافقون أيها المؤمنون الناس عن أنبائكم ، يعني : عن أخباركم بالبادية ، هل هلكمحمد وأصحابه ؟ نقول : يتمنون أن يسمعوا أخباركم بهلاككم ، ألا يشهدوا معكم مشاهدكم ( ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا ) يقول - تعالى ذكره - للمؤمنين : ولو كانوا أيضا فيكم ما نفعوكم ، وما قاتلوا المشركين إلا قليلا يقول : إلا تعذيرا ، لأنهم لا يقاتلونهم حسبة ولا رجاء ثواب . [ ص: 235 ]

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( يسألون عن أنبائكم ) قال : أخباركم ، وقرأت قراء الأمصار جميعا سوى عاصم الجحدري ( يسألون عن أنبائكم ) بمعنى : يسألون من قدم عليهم من الناس عن أنباء عسكركم وأخباركم ، وذكر عن عاصم الجحدري أنه كان يقرأ ذلك ( يساءلون ) بتشديد السين ، بمعنى : يتساءلون : أي يسأل بعضهم بعضا عن ذلك .

والصواب من القول في ذلك عندنا ما عليه قراء الأمصار ، لإجماع الحجة من القراء عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية