صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ( 41 ) وسبحوه بكرة وأصيلا ( 42 ) هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما ( 43 ) تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما ( 44 ) )

يقول - تعالى ذكره - : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله اذكروا الله بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم ذكرا كثيرا ، فلا تخلو أبدانكم من ذكره في حال من أحوال طاقتكم ذلك ( وسبحوه بكرة وأصيلا ) يقول : صلوا له غدوة صلاة الصبح ، وعشيا صلاة العصر . وقوله ( هو الذي يصلي عليكم وملائكته ) يقول - تعالى ذكره - : ربكم الذي تذكرونه الذكر الكثير وتسبحونه بكرة وأصيلا إذا أنتم فعلتم ذلك ، الذي يرحمكم ، ويثني عليكم هو ويدعو لكم ملائكته . وقيل : إن معنى قوله ( يصلي عليكم وملائكته ) : يشيع عنكم الذكر الجميل في عباد الله . وقوله ( ليخرجكم من الظلمات إلى النور ) يقول : تدعو ملائكة الله [ ص: 280 ] لكم ؛ فيخرجكم الله من الضلالة إلى الهدى ، ومن الكفر إلى الإيمان .

وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس في قوله ( اذكروا الله ذكرا كثيرا ) يقول : لا يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حدا معلوما ، ثم عذر أهلها في حال عذر غير الذكر ، فإن الله لم يجعل له حدا ينتهي إليه ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على عقله ، قال ( فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ) بالليل والنهار في البر والبحر ، وفي السفر والحضر ، والغنى والفقر ، والسقم والصحة ، والسر والعلانية ، وعلى كل حال . وقال : ( وسبحوه بكرة وأصيلا ) فإذا فعلتم ذلك ؛ صلى عليكم هو وملائكته ، قال الله عز وجل : ( هو الذي يصلي عليكم وملائكته ) .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( وسبحوه بكرة وأصيلا ) صلاة الغداة ، وصلاة العصر .

وقوله ( ليخرجكم من الظلمات إلى النور ) أي : من الضلالات إلى الهدى .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور ) قال : من الضلالة إلى الهدى ، قال : والضلالة : الظلمات والنور : الهدى .

وقوله ( وكان بالمؤمنين رحيما ) يقول - تعالى ذكره - : وكان بالمؤمنين به ورسوله ذا رحمة أن يعذبهم وهم له مطيعون ، ولأمره متبعون ( تحيتهم يوم يلقونه سلام ) يقول جل ثناؤه : تحية هؤلاء المؤمنين يوم القيامة في الجنة سلام ، يقول بعضهم لبعض : أمنة لنا ولكم بدخولنا هذا المدخل من الله أن يعذبنا بالنار أبدا .

كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : قوله [ ص: 281 ] ( تحيتهم يوم يلقونه سلام ) قال : تحية أهل الجنة السلام .

وقوله : ( وأعد لهم أجرا كريما ) يقول : وأعد لهؤلاء المؤمنين ثوابا لهم على طاعتهم إياه في الدنيا ، كريما ، وذلك هو الجنة .

كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وأعد لهم أجرا كريما ) أي : الجنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية