صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( أفترى على الله كذبا أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد ( 8 ) ) [ ص: 354 ]

يقول - تعالى ذكره - مخبرا عن قيل هؤلاء الذين كفروا به وأنكروا البعث بعد الممات بعضهم لبعض معجبين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وعده إياهم ذلك : أفترى - هذا الذي يعدنا أنا بعد أن نمزق كل ممزق في خلق جديد - على الله كذبا ، فتخلق عليه بذلك باطلا من القول وتخرص عليه قول الزور ( أم به جنة ) يقول : أم هو مجنون فيتكلم بما لا معنى له .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قال : قالوا تكذيبا ( أفترى على الله كذبا ، ) قال : قالوا : إما أن يكون يكذب على الله ( أم به جنة ) وإما أن يكون مجنونا ( بل الذين لا يؤمنون . . . ) الآية .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : ثم قال بعضهم لبعض ( أفترى على الله كذبا أم به جنة ) الرجل مجنون فيتكلم بما لا يعقل . فقال الله ( الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد ) .

وقوله ( بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد ) يقول - تعالى ذكره - : ما الأمر كما قال هؤلاء المشركون في محمد - صلى الله عليه وسلم - وظنوا به من أنه افترى على الله كذبا ، أو أن به جنة ، لكن الذين لا يؤمنون بالآخرة من هؤلاء المشركين في عذاب الله في الآخرة وفي الذهاب البعيد عن طريق الحق وقصد السبيل فهم من أجل ذلك يقولون فيه ما يقولون .

حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد قال : الله ( بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد ) وأمره أن يحلف لهم ليعتبروا ، وقرأ ( قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن . . . ) الآية كلها وقرأ ( قل بلى وربي لتأتينكم ) . وقطعت الألف من قوله ( أفترى على الله ) في القطع والوصل ، ففتحت لأنها ألف استفهام . فأما الألف التي بعدها التي [ ص: 355 ] هي ألف افتعل فإنها ذهبت لأنها خفيفة زائدة تسقط في اتصال الكلام ، ونظيرها ( سواء عليهم أستغفرت لهم ) و ( بيدي أستكبرت ) و ( أصطفى البنات ) وما أشبه ذلك . وأما ألف ( آلآن ) و ( آلذكرين ) فطولت هذه ، ولم تطول تلك ؛ لأن آلآن وآلذكرين كانت مفتوحة فلو أسقطت لم يكن بين الاستفهام والخبر فرق فجعل التطويل فيها فرقا بين الاستفهام والخبر ، وألف الاستفهام مفتوحة فكانتا مفترقتين بذلك فأغنى ذلك دلالة على الفرق من التطويل .

التالي السابق


الخدمات العلمية