صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب ( 51 ) )

يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : ولو ترى يا محمد إذ فزعوا .

واختلف أهل التأويل في المعنيين بهذه الآية فقال بعضهم : عني بها هؤلاء المشركون الذين وصفهم - تعالى ذكره - بقوله ( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم ) قال : وعني بقوله ( إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب ) عند نزول نقمة الله بهم في الدنيا .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت . . . ) إلى آخر الآية قال : هذا من عذاب الدنيا .

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( وأخذوا من مكان قريب ) قال : هذا عذاب الدنيا .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت . . . ) إلى آخر السورة قال : هؤلاء قتلى المشركين من أهل بدر ، نزلت فيهم هذه الآية قال : وهم الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم ، أهل بدر من المشركين .

[ ص: 422 ] وقال آخرون : عني بذلك جيش يخسف بهم ببيداء من الأرض .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد في قوله ( ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت ) قال : هم الجيش الذي يخسف بهم بالبيداء ، يبقى منهم رجل يخبر الناس بما لقي أصحابه .

حدثنا عصام بن رواد بن الجراح قال : ثنا أبي قال : ثنا سفيان بن سعيد قال : ثني منصور بن المعتمر ، عن ربعي بن حراش قال : سمعت حذيفة بن اليمان يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وذكر فتنة تكون بين أهل المشرق والمغرب قال : فبينما هم كذلك إذ خرج عليهم السفياني من الوادي اليابس في فورة ذلك ، حتى ينزل دمشق ، فيبعث جيشين ; جيشا إلى المشرق ، وجيشا إلى المدينة ، حتى ينزلوا بأرض بابل في المدينة الملعونة والبقعة الخبيثة ، فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف ، ويبقرون بها أكثر من مائة امرأة ، ويقتلون بها ثلاثمائة كبش من بني العباس ، ثم ينحدرون إلى الكوفة فيخربون ما حولها ، ثم يخرجون متوجهين إلى الشأم ، فتخرج راية هذا من الكوفة ، فتلحق ذلك الجيش منها على الفئتين ، فيقتلونهم لا يفلت منهم مخبر ، ويستنقذون ما في أيديهم من السبي والغنائم ، ويخلي جيشه التالي بالمدينة ، فينهبونها ثلاثة أيام ولياليها ، ثم يخرجون متوجهين إلى مكة ، حتى إذا كانوا بالبيداء ، بعث الله جبريل ، فيقول : يا جبرائيل اذهب فأبدهم ، فيضربها برجله ضربة يخسف الله بهم ، فذلك قوله في سورة سبإ ( ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت . . . ) الآية ، ولا ينفلت منهم إلا رجلان ; أحدهما بشير والآخر نذير ، وهما من جهينة ، فلذلك جاء القول :


. . . . . . . . . . . . . . . . . . وعند جهينة الخبر اليقين



[ ص: 423 ] حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال : سألت رواد بن الجراح ، عن الحديث الذي حدث به عنه ، عن سفيان الثوري ، عن منصور ، عن ربعي ، عن حذيفة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، عن قصة ذكرها في الفتن قال : فقلت له : أخبرني عن هذا الحديث سمعته من سفيان الثوري؟ قال : لا ، قلت : فقرأته عليه؟ قال : لا ، قلت : فقرئ عليه وأنت حاضر؟ قال : لا ، قلت : فما قصته فما خبره؟ قال : جاءني قوم فقالوا : معنا حديث عجيب ، أو كلام هذا معناه ، نقرؤه وتسمعه ، قلت لهم : هاتوه ، فقرءوه علي ، ثم ذهبوا فحدثوا به عني ، أو كلام هذا معناه .

قال أبو جعفر : وقد حدثني ببعض هذا الحديث محمد بن خلف قال : ثنا عبد العزيز بن أبان ، عن سفيان الثوري ، عن منصور عن ربعي ، عن حذيفة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، حديثا طويلا قال : رأيته في كتاب الحسين بن علي الصدائي ، عن شيخ ، عن رواد ، عن سفيان بطوله .

وقال آخرون : بل عني بذلك المشركون إذا فزعوا عند خروجهم من قبورهم .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة عن الحسن قوله [ ص: 424 ] ( ولو ترى إذ فزعوا ) قال : فزعوا يوم القيامة حين خرجوا من قبورهم .

وقال قتادة : ( ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب ) حين عاينوا عذاب الله .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا جرير ، عن عطاء ، عن ابن معقل ( ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت ) قال : أفزعهم يوم القيامة فلم يفوتوا .

والذي هو أولى بالصواب في تأويل ذلك ، وأشبه بما دل عليه ظاهر التنزيل قول من قال : وعيد الله المشركين الذين كذبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قومه ، لأن الآيات قبل هذه الآية جاءت بالإخبار عنهم وعن أسبابهم ، وبوعيد الله إياهم مغبته ، وهذه الآية في سياق تلك الآيات ، فلأن يكون ذلك خبرا عن حالهم أشبه منه بأن يكون خبرا لما لم يجر له ذكر . وإذا كان ذلك كذلك ، فتأويل الكلام : ولو ترى يا محمد هؤلاء المشركين من قومك ، فتعاينهم حين فزعوا من معاينتهم عذاب الله ( فلا فوت ) يقول : فلا سبيل حينئذ أن يفوتوا بأنفسهم ، أو يعجزونا هربا ، وينجوا من عذابنا .

كما حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله ( ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت ) يقول : فلا نجاة .

حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال : ثنا مروان ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله ( ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب ) قال : لا هرب .

وقوله ( وأخذوا من مكان قريب ) يقول : وأخذهم الله بعذابه من موضع قريب ، لأنهم حيث كانوا من الله قريب لا يبعدون عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية