1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة فاطر
  4. القول في تأويل قوله تعالى " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا ( 42 ) استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ( 43 ) )

يقول - تعالى ذكره - : وأقسم هؤلاء المشركون بالله جهد أيمانهم ، يقول : أشد الأيمان فبالغوا فيها ، لئن جاءهم من الله منذر ينذرهم بأس الله ( ليكونن أهدى من إحدى الأمم ) يقول : ليكونن أسلك لطريق الحق وأشد قبولا لما يأتيهم به النذير من عند الله ، من إحدى الأمم التي خلت من قبلهم ( فلما جاءهم نذير ) [ ص: 483 ] يعني بالنذير محمدا - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : فلما جاءهم محمد ينذرهم عقاب الله على كفرهم .

كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( فلما جاءهم نذير ) وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - .

وقوله ( ما زادهم إلا نفورا ) يقول : ما زادهم مجيء النذير من الإيمان بالله واتباع الحق وسلوك هدى الطريق ، إلا نفورا وهربا .

وقوله ( استكبارا في الأرض ) يقول : نفروا استكبارا في الأرض وخدعة سيئة ، وذلك أنهم صدوا الضعفاء عن اتباعه مع كفرهم به . والمكر هاهنا : هو الشرك .

كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ومكر السيئ ) وهو الشرك . وأضيف المكر إلى السيئ ، والسيئ من نعت المكر كما قيل ( إن هذا لهو حق اليقين ) وقيل : إن ذلك في قراءة عبد الله ( ومكرا سيئا ) ، وفي ذلك تحقيق القول الذي قلناه من أن السيئ في المعنى من نعت المكر . وقرأ ذلك قراء الأمصار غير الأعمش ، وحمزة ، بهمزة محركة بالخفض . وقرأ ذلك الأعمش ، وحمزة بهمزة وتسكين الهمزة اعتلالا منهما بأن الحركات لما كثرت في ذلك ثقل ، فسكنا الهمزة ، كما قال الشاعر :


إذا اعوججن قلت صاحب قوم



فسكن الباء لكثرة الحركات .

[ ص: 484 ] والصواب من القراءة ما عليه قراء الأمصار من تحريك الهمزة فيه إلى الخفض وغير جائز في القرآن أن يقرأ بكل ما جاز في العربية ; لأن القراءة إنما هي ما قرأت به الأئمة الماضية ، وجاء به السلف على النحو الذي أخذوا عمن قبلهم .

وقوله ( ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ) يقول : ولا ينزل المكر السيئ إلا بأهله ، يعني بالذين يمكرونه ، وإنما عنى أنه لا يحل مكروه ذلك المكر الذي مكره هؤلاء المشركون إلا بهم .

وقال قتادة في ذلك ما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ) وهو الشرك .

وقوله ( فهل ينظرون إلا سنة الأولين ) يقول - تعالى ذكره - : فهل ينتظر هؤلاء المشركون من قومك يا محمد إلا سنة الله بهم في عاجل الدنيا على كفرهم به أليم العقاب ، يقول : فهل ينتظر هؤلاء إلا أن أحل بهم من نقمتي على شركهم بي وتكذيبهم رسولي مثل الذي أحللت بمن قبلهم من أشكالهم من الأمم .

كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( فهل ينظرون إلا سنة الأولين ) أي : عقوبة الأولين ( فلن تجد لسنة الله تبديلا ) يقول : فلن تجد يا محمد لسنة الله تغييرا .

وقوله ( ولن تجد لسنة الله تحويلا ) يقول : ولن تجد لسنة الله في خلقه تبديلا يقول : لن يغير ذلك ولا يبدله ; لأنه لا مرد لقضائه .

التالي السابق


الخدمات العلمية